top of page
شعار مداد.png

أخوة اللوحة

سماء ماطرة ..هطولها على غير عادة ينم عن يوم كثيب المطر والغيم الذي أدكن بهجة المدينة، المارة بالشوارع مهرولين يحتمون من رذاذه ويحمون أقمشتهم الثمينة من الضرر لا أحد يلتفت ليتراقص تحته ولا أظن أن أحدا سيفكر بذلك فالطقس اليوم مهيب يدفع للشعور بالرهبة كأن بهذه العاصفة سيحدث شيء لا مألوف.

كنا بالقرب من إحدى التقاطعات المزدحمة .. فاليوم الاثنين ظهرًا من كل أسبوع تجمع الفنانين التشكيلين من العموم ليجنوا مقابل رسوماتهم الفنية، لطالما رأيت أن ما يحدثونه من اختلاطٍ لوني هنا وهناك أمر لا معنى له فهنا بقعة لا مفهومه التقاء بين عدة أشخاص ولوح يصعب عليك فهمها إلى أن اضطررت أن تبقى نصف ساعة تتأمل لوحة واحدة يمنة ويسرة لتفهم جزءًا منها !

عوضًا عن كونه عمل نزيه أن يسترزقوا من جهدهم فلم أكن أبالي به وأبغض المرور من خلال هذا الطريق والتعرض للازدحام و سماع الأسئلة اللامنطقية التي تتعالى، أفسد المطر التقاءهم رأيتهم مسرعين باتجاه يحمي ما تبقى من الصور الى مكان آمن، كان طريقي وطريقهم واحد فتعطل السير وأجبرت أن أجري على أقدامي فبينما أنا أدفع بخطاي المبتلة أحدث رعدا قويا جاعلاً إحدى السيدات منهم تقع فزعة، ووقعت برقتها لوحة المطر.. كان أقرب شيء لوصف ما رأيته هممت بمساعدتها وتطمينها والاحتماء تحت مظلات الاستراحات العامة، كانت تهدئ من روع ذاتها وأنا ألملم ما سقط منها وآخر ما تبقى هذه اللوحة، لم أمسك بلوحة من قبل أو أتأملها أو ألقي ببصري عليها لكنني فعلت، الستائر عالية بفعل الريح ونافذة متسلل منها ضوء الشمس والغرفة الزرقاء البليدة والهرة السوداء التي تبدو ساكنة وعينيها مترقبة، كانت أشبه بلوحة ترسم الانتظار، انتظار بعيد لم يمل صاحبه من أن يتصنعه رعشة سرت قاطعها صوت السيدة تشكرني على مساعدتي ابتسمت بلطف ورحلت.

حل الفجر مسرعًا شعرت بحرارة عالية فنهضت باحثًا عن كوب ماء يرويني، التفت إلى النافذة كانت الستائر تتسابق مع الريح فتتدافعا، لم تكن الإنارة مشتعلة فبدت الغرفة زرقاء، أظنه قد بدا لي بفعل الإرهاق أنها تماثل لوحة السيدة، ها أنا ذا حاملًا كوبي وأتحسس جبيني ولكن مهلاً حرارتي معتدلة!

ترى ما بي؟ عدت أدراجي لأستلقي لكن ما لبثت أن رأيت الهرة ..أيقنت أنني في داخل اللوحة، لقد سقط جزء مني بها والآخر ما يزال تحت المطر البارحة، ويبدو أن القدر لم يرد أن أرحل عن مدينتي فأسقط بعضي هنا .. لقد علقت بين هذه الإطارات الأربعة وسأكمل عيشي هنا برفقة حجرة باهتة ومعنى .. الهرة ! إلى ماذا تنظر؟ كانت تراقب اللاشيء بالبارحة وعينيها لامعة مترقبة، التفت لأرى ما أبصرته .."فراغ".. جدار خالٍ من أي معنى سوى جدار.. عيناها تنتظر قدوم من ينير عتمتها هنا ويأوي شتاتها ولكن لن يحدث..

استلقيت بجانبها أنظر إلى الفراغ و أنتظر اللاشيء أن ينير.



منار البراهيم

٨ مشاهدات

أحدث منشورات

عرض الكل
مشاعر

مشاعر

Comments


تم الأشتراك في القائمة البريدية

  • Twitter

جميع الحقوق محفوظة لمبادرة "مِدَاد" 2020

bottom of page