top of page
شعار مداد.png

أمل في العتمة


حين رأى عينَا والده وهي تضيق شيئًا فشيئًا أدرك أنها النهاية. هرع إلى جهاز التنفس ووضعه على أنف والده متأملاً أن يفي بالغرض. بعد بضع دقائق، بدأ والده بالاستجابة للجهاز رويدًا، بعدها أتت سيارة الإسعاف وأخذت والده من أمام عينيه وهو واقف حائر لا يدري هل سيعود أم يلحق بوالدته.

ذهب إلى فراشه والأحلام السوداوية تلاحقه، ماذا يفعل؟ هل يكمل العمل على تركيبته ليخلّص والده وأهالي قريته من التلوث الهوائي، ويجعلهم يعيشون أحرارًا طلقاء بعيدًا عن أجهزة التنفس التي لا تسمن ولا تغني من جوع، أم يجلس مكتوف الأيدي وينتظر خبر وفاة أحدهم.

في الصباح الباكر ذهب إلى معمله الذي يفتقر لأولويات المعامل، وبدأ العمل على تركيبته الكيميائية بالرغم من إحباطات الحياة من حوله. توقف قليلًا ليعيد هيكلة خطته وإذ بالهاتف يرن:

-مرحبًا علي، معك أحمد جارك المقابل.

-مرحبًا أحمد كيف حالك؟

-بخير، ألم تنتهي من العمل على تركيبتك؟

-لا، ليس بعد.

-حسنًا، من الأفضل أن تسرع فليس لدينا وقت للتجارب، جاري الذي بجانبي توفّي ليلة أمس وابنتيه في المستشفى في حالة حرجة.

-يا إلهي، إنني أعمل جاهدًا والتوفيق بيد الله.

-حسنًا، لا أريد تعطيلك إلى اللقاء.

-إلى اللقاء.

ترى ماذا أفعل، هذه ضحية أخرى، ترى هل الضحية التالية هو والدي! أعوذ بالله لِما أفكر هكذا فالأعمار بيد الله. بعد أكثر من شهر من العمل الشاق، أخرج علي تركيبته إلى النور، وعرضت عليه شركة يابانية تبني اختراعه والعمل على الشكل النهائي ليكافح التلوث الهوائي دون أن يسبب أعراضا جانبية. بعد أسبوع من السفر والعمل على الشكل النهائي، عاد عليّ وكان أول مستقبليه أحد أصدقائه ليخبره بأن والده في ذمة الله. أصيب علي بالإحباط كثيرًا، ولكن بعد توفيق الله أنقذ اختراعه حياة ملايين الناس في بلده ومليارات خارجها وأصبح عليّ يردد دائما: اختراعي لم ينقذ أبي، ولكنه أنقذ آباء العالم.


لمياء الحربي

١٨ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل

مشاعر

Comments


bottom of page