top of page
شعار مداد.png

إن لم تكن بخيرٍ اليوم، فغداً ستكون

"ولدت وأنا أمقت المدعو بالـ(حظ)، لقد عشت بما فيه الكفاية لأحاول مساعدة نفسي في جعله أفضل، لكن لا جدوى"


لنقُل أن القائل فتى اسمه مارك يدعونه زملائه في المدرسة بالفتى المحظوظ لأنه (ابن رجلٍ غني، أمه تعطيه ما يريد، لديه أشقاء أكبر منه جميعهم عباقرة وناجحين في مجالاتهم ويحبون شقيقهم ولم يتنمروا عليه في حياتهم قَطّ) لكن هؤلاء الزملاء يرون ما هو ظاهر دون التعمق، أبوه غني لكنه لم يسمع له في حياته، أمه تعطيه ما يريد لكنها لم تعانقه أبداً، أشقاؤه طيبون لكنهم ليسوا معه دائماً فجميعهم يسعى في حياته الخاصة، مارك ابن الخامسة عشرة، فتى يحب القطط كثيراً، عقله فضاءٌ من الخيال والذكاء، وقلبه كسحابةٍ أخف من أن تتحمل التجول في السماء، أصبح متفائلاً بعدما شاهد فيلمًا يتحدث عن ذكرياتِ امرأة حيث قالت في إحدى مشاهد الفيلم "إن كان اليوم ليس جيداً فغداً سيكون، إن لم يكن الغد جيداً فبعد غد، إن لم يكن بعد الغد جيداً فبعده سيكون، دوماً هناك غد" أحبّ الفيلم كثيراً لدرجة أنه أصبح يردد هذا الاقتباس حتى يصدقه قلبه، يعلم جيداً أنه لم يولد مثالياً ولن يكون مثالياً مهما فعل، لذلك هو فقط قد تخلى عن أفكار التحسين التي خطط لها في طفولته ما بين السابعة والحادية عشرة عن مظهره، أصبح مارك منذ بلوغه العاشرة يتجول في أنحاء حديقة منزله ليبحث عن أي صديقٍ جديد يعانقه عندما يبكي بدلاً من تلك القطة التي ودعته بلعقةٍ لطيفة منها ثم ذهبت كأنها تعتذر منه وتتمنى له أن يجد من يعانقه دوماً كل صباحٍ ومساء بدلاً عنها، لم يجد أي قطة واستمرت رحلة بحثه عن شيءٍ جديد، أصبح حزيناً عندما فارقته فقد كانت هي التي يعانقها عندما يبكي وهي التي تحمل في أذنيها عناقيد كلماته التي قالها عندما أخبرها بما يشعر؛ أحبها وكان شاكراً لأنها كانت تستمع له وكأنها تفهمه، مارك ليس لديه ما يخافه سوى الفقد وأن ينتهي به المطاف وحيداً؛ لذلك فقد بكى كثيراً لأن تلك القطة قد ذهبت وفارقته، لكنه تعلم من نفسه بما أنه فتًى يبحث عن مبررات لكل شيء "أنا كالطائر ولدتُ حراً لأعيش فمن أكون لأحرم غيري من رغبته في العيش بحرية؟"، في إحدى المرات بينما كان يجلس تحت شجرة حديقة منزله مرت من أمام السور دراجة مسرعة بأربع عجلات من دون راكب، عندما رآها لحق بها مسرعاً ليمسكها ويعيدها لصاحبها والتي كانت فتاة تحاول اللحاق بها لكنها توقفت لتلتقط أنفاسها، أرجع مارك الدراجة بكل أدب وعاد لغرفته دون أن ينطق بأي حرف، الفتاة كانت هادئة أومأت برأسها شكراً له ورحلت بدورها، ظل يفكر فيها ما اسمها وأنها المرة الأولى التي أراها في الحي ! حتى شعر بالنعاس ونام، وفي الصباح عندما كان يستعد للذهاب للمدرسة لمح تلك الفتاة من نافذة غرفته كانت تحمل معها علبتي طعام تركت واحدة على باب منزله والأخرى أخذتها لها، لم يتسن له حتى أن يشكرها في لحظتها، غادر لمدرسته وعندما دخل الفصل وجد جميع زملائه حول طاولةٍ كانت طوال الفصل الدراسي غير شاغرة، لم يهتم لما يحدث كثيراً لكنه لمح تلك الفتاة وهي جالسة في ذلك المقعد، لم يتوقع أن يحدث ذلك لكنه وبطريقة ما فرِح لوجودها، منذ مجيئها لحياته أصبحت تأتيه أفكار غريبة بأنه يعرفها من قبل برغم أنهما لم يلتقيا إلا عندما تدحرجت دراجة الفتاة، عاد للمنزل ونام، وفي منامه رأى حلما عن تلك الفتاة ومعها تلك القطة، رأى الفتاة صامتة والقطة تكلمت بصوت الفتاة، استيقظ مرعوباً لأنه ظن بأن تلك الفتاة هي في الواقع شبح، لم يفهم شيئاً لكنه أصبح يتجاهل تلك الفتاة وفي نفس الوقت يراقبها من دون أن تدري ليتأكد ما إذا كانت طبيعية أم أن حلمه كان مجرد حلم لا معنى له، استمر حلمه بالظهور واستمرت تلك الفتاة في جلب علب الطعام له في كل مره تضع له بطاقة لشخصيات الأفلام التي يحبها مع عباراتٍ تشجيعية، أثارت استغرابه لأنها لم تنتبه لتجاهله لها مع أنها تعلم أنه يتجاهلها لكنها لا تدري ما السبب، تكرر نفس الحلم في منام مارك ونفس الشيء يحدث: القطة تتكلم والفتاة صامتة، خاف كثيراً من أن يكون تحذيراً أخيراً في أنه سيواجه شبحاً، قرر بعد عدة تكرارات لنفس الحلم أن يسأل الفتاة " أراك دائماً في حلمي صامتة وقطة كانت تزورني دوماً في الماضي تتحدث بالنيابة عنكِ!"، ضحكت الفتاة وقالت "لقد كبرت حقاً لم أتوقع أنك ستفكر بهذه الطريقة لكن لا عليك ما رأيته ليس الواقع البتة، تلك القطة هي لي في الواقع كنتُ أرسلها لك لكي لا تشعر بالوحدة حينها كنتُ خجولة لأتحدث معك، في المرة التي قررت أن أقابلك فيها قمت بدفع دراجتي لتنحدر مسرعة بجانب سور منزلك حتى تمسكها لي ونتعارف لكنك كنت خجولاً، أنا أدرس في مدرسة أخرى لكنني أردت أن آتي لك في مدرستك وفي نفس فصلك فقط لأرى ماذا تفعل! لست مهووسة بك صدقني لكنني أصبحت كذلك عندما علمتُ بأنك تحب نفس الفيلم الذي أحبه والذي قد قالوا لي أنه ليس جيداً وأني لست جيدة في اختيار الأفلام، أعلم أنك لست مثالياً وأنا كذلك لست بتلك الروعة لكنني فكرت مطولاً ( ليس مهماً أن نكون معاً للأبد لكنني بالفعل أريد أن ألتقي بك في المستقبل، لذا دعنا نصنع الذكريات معاً، لنعود لهذا المكان يوماً ما ونتذكر ما فعلناه كما فعلا بطليّ الفيلم وأيضاً حين نلتقي دعنا نقول : إن لم تكن بخيرٍ اليوم، فغداً ستكون)"، مرت ١٥ سنة مع افتراق الاثنين، مرت ١٠ سنواتٍ أخرى وأخيراً التقيا، مارك طبيب وأب لـ٥ أطفال، وتلك الفتاة سيدة أعمال وأم لطفلين.





نورة السالم

٧ مشاهدات

أحدث منشورات

عرض الكل

مشاعر

Comments


bottom of page