إلى الصديق الوحيد في أحزانه، ذلك الذي لا يأمن نفسه حتى، بدا حالك في كل ما تلى جملتك الأولى جلياً، واضحا ويمكن توقعه، التوقف عن البكاء هو مراكمة لكل الأشياء وحبس نفسك داخلها، تخيل بأن قلبك ممتلئ ومشاعرك ما تزال تنصب داخله دون أن تفيض، فتشعر به يفيض ألمًا فقط دون إحساس بالاتزان، دون شعورٍ بالتعافي والأمان، الأمان لذاتك التي تحبك وتواسيك في وحدتك المؤلمة.
تخيل بأن امك وأباك وإخوتك يحبونك كما تحبهم، هذه هي الحال مع ذاتك حتى، تحبها ولكن دون اعتقاد باستحقاقك لمبادلة المشاعر، تخاف أن تسامح فيلوذ المخطئون بفعلتهم، بمن فيهم ذاتك، فتبقيان هكذا تعيسين قرب بعضكما، إذاً فكل ما في الأمر هو خوفنا من التسامح، من أن نتسامح مع أنفسنا ثم نسامح من حولنا، من نحبهم ولكن آذونا، نبقى نتساءل حيارى وبخوفٍ هل نبذل السماح ونعطي فرصًا أخرى؟
ولكن على كل حال، لا يلزمنا لمحبة أنفسنا ماضٍ صالحٌ أو حاضر مشرق وإنما الإيمان بالقدرة على التجديد، على التخلي عن ما يثقلنا، على مغفرة خطايانا التي لا يمكن إصلاحها، لنتخطى ونتخفف ولنفض بدمعنا حتى التطهر ولنأمن أنفسنا لأنفسنا، لا يمكن تخطي سوء أنفسنا في لحظة واحدة، كما لا يمكن التخلص منه بدفعه عنا ورفض تصديقه.
سوؤنا هو حقيقة فينا وأول خطوة للتخلص منه هو قبوله، اقبل بسوئك وبالحال التي لا يمكن دفعها عنك، قل نعم، أقر بأنني سيء في هذا وذاك وأن الحال سيبقى كذلك، سأبقي هذا قريباً مني وأراقبه حتى يتلاشى، لن أتجاهله، فهو لن يختفي بمجرد غض الطرف عنه بل سيستطير كثالوسٍ يحيط بك حتى يرديك، أدرك سوئك، حزنك وكل ما يثقلك، حجّمه، راقبه وفتت أطرافه في كل مرة حتى يتلاشى، بعد مضي الوقت سترى كل ذلك قد تضاءل وقد أضحى قلبك متسعًا للأفراح والأحزان القادمة، قابلًا بها وراضياً، ضحكة للفرح ودمعة للحزن وأمان للذات.
بأسى تدركُ أن العائلة واقعٌ وحالٌ يصعب الانسلاخ عنه، معرفة تبعث في روحك اليأس والأسى، لكن السبيل للخلاص يكمن في ذات المعرفة، فإن علمت أن العائلة حقيقة باقية فلم لا تستثمر بذورك في ذلك البستان القاحل؟ بآداب فلاحٍ مثابر يحيي بأمر الله ما يُئس منه، يبدل الأسى بالسرور والخوف بالأمل والامتنان، في ذلك يا صديق تتبدل الحال ويضحي كل ما تمنيت له الزوال آمالًا أخرى.
سديم الراجحي
Σχόλια