top of page
شعار مداد.png

اشتياق الجسد.. وبكاء الروح

"افتقدتّه..

افتقدتّ حديثه المتواصل، اشتقتُ لبكائه المتقطّع، ووددتُّ عودتها رسمةَ الشفتينِ.


أمنياتٌ دفنتها بقبرِ أمي، وغادرتُ مودعًا جسدٌ وروحين، مُكملًا حياتي بوعاءٍ جفّ مِنَ الطعام، وافتقدَ حنانَ راعيَته.


آلامٌ تُعادُ وتكرر، كشريطٍ لن ينتهي عرضه، وقد زحفَ اليأسَ إلى جوفِ الوعاء، مالئًا الفراغَ بظلمةِ الشعور، فتوقفتْ الملامحُ عن العمل، منْ وقتٍ مضى، وبدايته، ما أعيشُ في عِلّيّته، مطعمُ خالي.


سارتْ أيامي، وأنا بصمتٍ جَلَدٍ أسيرُ معها، أسمعُ شتائمَ صباحية، وأدّعي الصمم، تهوي الكفوفَ على رأسي، فأقمعُ الكرامة، تُطفئ سيجارةٌ في أذني، وأبتلعُ صرخةَ ألمي، لكيْ أُنهي رحلتي، بنغماتِ سلّم خشبي، يطلبُ الرحمة، ويتراجعُ عن مطلبه، عند رؤيته، آثارَ سوطٍ على الجسد.


أفتحُ بابَ غرفتي، والتي لا تتعدى المترَ بالمترين، لأتركَ شمعةً على طاولتي، اشتعلَ رأسها، ودمعها قد سال على اصبعيّ، فتبقى النيرانُ تُشعلُ تلكَ التقرحات، وبأثرٍ أبديّ؛ يتجدد.


جلستُ على طرفِ سريري، أنفخُ على أصابعي، علّي أُخمدَ بعضًا من الحريق. رحلتُ بنظراتي بعيدًا، ولا شيء أجده حتى بمخيلتي، حيثُ الفراغُ في الشعورِ كانَ ذاته، الضياع هو ما بدأه الماضي، وحاكه الحاضر، ليكونَ المستقبلَ "القطعة الجاهزة".


لكن، سمعتُ بكاءَ شخصٍ قريب، قريب جدًا، وبلا وعي، ثبتُّ النظرَ أمامي، أحسستُ بهِ، هو يجلسُ أمامي، ووجهه في مقابلةِ وجهي، من هو؟


أولَ سؤال طرحته، وتلقيْتُ إجابته؛ بكيانه الذي تكوّن شيئًا فشيئًا، حتّى اكتملَ مظهره. شعرٌ أسودَ مُبعثر، ثيابٌ رثة، ومُقلتيْ الرماد، كانتا تتلألآن بالحياة، عكسَ خاصتيْ، بهُتَ رماديّهما، بفعلِ الزمنِ.


تعرفتُ على شبيهي..


تأملتُ تلكما الاثنتين، ونسيتُ دموعًا أسالها على خديه، حتى أيقظني همسهُ مترجيًا

"إلى متى سأبقى خارجًا؟!".


كنتُ أملك الاجابة، لكنها ستؤلمه. السؤال الآخر: أمي قد دُفنت، وأنتَ دُفنتَ معها!

كيفَ خرجتَ من القبرِ، لتعودَ إلى وعاءِكَ الآن؟!

زلما هذه الليلة، من بين ظلماتٍ عشتها بجسد فارغ اختار الوحدة.


وأمنيتي الوحيدة، قد أسررتها في فراغي، ليتكَ بقيتَ سنينًا أطولَ هناك، فما ستراهُ، سيحوّلك الى قاتلٍ، هدفه تذوق الدماء، والاستمتاع بنغمات الحناجر.


لم يكنْ في وجهي تعابير، فبعثرتُ لهُ خصلاته مُدعّمًا تعبيري

"عد إليهما، انتظرني عند التربة، وانسى ما رأيته اليوم، يكفي تضحية الجسد، لا أريد تضحية أخرى".


انهارَ في الحُضنِ، صرخَ رافضًا، وصاحَ معترضًا، وأتمهما بالنحيب، حتّى تلاشى، وعُدتُّ بلا روحٍ، أنتظرُ بتجمدِ الملامحِ، وبرودةِ الجسدِ، رحيلي الذي بتُّ أشعرُ بهِ، إنه قريب، لكنه ليس الليلة".


ميمونة قاسم



٨ مشاهدات

أحدث منشورات

عرض الكل
مشاعر

مشاعر

Comments


تم الأشتراك في القائمة البريدية

  • Twitter

جميع الحقوق محفوظة لمبادرة "مِدَاد" 2020

bottom of page