top of page
شعار مداد.png

الأحلام الأولى

عندما كنت صغيرة كان لدي ثلاثة أحلام رئيسة؛ كنت أحلم بالعثور على الكنز وأن أستطيع الطيران وأن أمتلك شعرًا طويلًا، كان من غير المسموح لشعري أن يتعدى كتفيّ في الطول ثم يجز حتى يصبح قريب من الأذنين؛ كنت أتلمس نهاية منابت الشعر المثلثة وأقول لأمي انظري لقد أصبح شعري كالأولاد الآن، رغم أني حينما أنظر في المرآة لا أجد الشعر الصبياني الذي ألوم أمي عليه، بل قصة شعر لطيفة تناسب عمر وحجم طفلة في الخامسة أو السادسة.


لكن كنت أثق بشعوري ولم أهتم لما تعكسه المرآة من يدري قد تكون هي الأخرى متآمرة مع أمي، كنت يائسة من أن يصبح شعري طويلًا، أردت أن يصل إلى منتصف ظهري لكن بدا ذلك الحلم بعيدًا جدًا جدًا يأخذ شعري الكثير من الوقت حتى يصل إلى كتفيّ، وما إن أتأمل أن يطول أكثر حتى يعود من جديد إلى قصة الشعر تلك.


تركت الاهتمام بطول شعري فلن أضيع عمري عليه، قررت التركيز على محاولات الطيران والبحث عن الكنز.


في كل مرة أذهب فيها إلى الصحراء أظل أحفر وأحفر متأكدةً أن هناك كنزًا بانتظاري، لا أعرف دلالات الكنوز أو حتى ما الذي يعتبر كنزًا وما الذي لا يعتبر، كل همي أن أحفر حتى أجد الصندوق الخشبي المليء بالدنانير الذهبية والمجوهرات.


كنت واثقة جدًا من قدرتي على العثور على الكنز، لكني لم أعثر ولا مرة على أي كنز، التغيير الوحيد الذي يحدث من الحفر هو أنني أصل لطبقة تربة مختلفة عما يوجد على السطح.


أما في داخل المنزل فكنت أتدرب كل يوم على الطيران بلا كللٍ أو ملل، وكنت أجرب الكثير من الطرق، نظرت أمي مرة إليّ في بداية محاولاتي وقالت: واو يوجد لدينا عباس بن فرناس!.


لم أفهم ذلك الاسم المركب لكن قلت: نعم أنا عباس بن فرناس وسأطير.

لم ألبث قليلًا حتى عدت لأسألها من ذاك الذي يدعى عباس بن فرناس؟!


فأخبرتني أنه أول من حاول الطيران وكانت لمحاولته نتيجة ما ساعدت في جعل البشر قريبين من القدرة على الطيران لكنها تعتبر غير ناجحة!.


سألت أمي ماذا فعل؟ قالت: قفز من مكان بعيد باستخدام عبائته لكنه سقط وتأذى! و بسرعة كونت فرضية مفادها أن عباس بن فرناس كانت لديه فكرة جيدة، لكن تنفيذ خاطئ لسببين أولهما أنه استخدم قماشًا ثقيلًا لذا بالتأكيد سيسقط فلقد كانت الفروة أو العباءة العربية التي يمتلكها والدي كافية لأتلحف بها أنا وكل اخوتي وكان من الصعب حملها فلقد كانت ثقيلة!.


والأمر الآخر أنه كان متهورًا!؛ كيف لم يجعل في الأرض إسفنجة أو منصة قفز على الأقل حتى يضمن عدم تأذيه، لذا قررت أن أتطوع لجعل البشر يذكرون فضل عباس بن فرناس، فلقد كان في نظري صاحب نظرية صحيحة لكن تهوره وتنفيذه الخاطئ هو ما جعله يتأذى.


أخذت رداء الصلاة الخاص بأمي خفيف وبارد عكس فروة أبي، وتسلقت خزانة ملابسي حتى أقفز على سريري، وقبل أن أقفز كنت أشعر بالفخر وأتخيل عباسًا بن فرناس وهو يشكرني على وثوقي بنظريته وتصحيح أخطائه ويثني علي أني رغم كل ذلك لم أنس جانب الأمان!


وبكل فخر وحماسة قفزت من فوق الخزانة وأنا أمسك برداء الصلاة فاردةً ذراعيّ بعد أن ربطته على عنقي، كنت أشبه بالسنجاب الطائر في تلك اللحظة، هويت سريعًا نحو سريري ذو المرتبة القافزة، بالتأكيد كانت تجربة طيران فاشلة بكل المقاييس! لكني شعرت أني على الطريق الصحيح ولكن يجب أن أعود وأصحح خطأ ما، ربما كنت مخطئة في طريقتي لإمساك الرداء، أو يجب أن أثبته بحيث يكون ثابتًا وهو مفرود كأجنحة الطيور.


بالتأكيد كل ذلك كان من تأثير الأدرينالين، لكن مشكلتي أني كنت أثق بإحساسي كثيرًا، لم أقتنع بالحقائق، ورغم كل ذلك كنت أعرف تمامًا أن أمي لن ترضى بقفزة من فوق الخزانة، انتظرتها حتى أتت نتيجة سماعها لأصوات مريبة!، بالطبع كادت أن تصاب بسكتة قلبية لكني كنت جاهزة بالكثير من التفاصيل؛ شرحت لها أخطاء عباس بن فرناس وكيف أنني بصدد محاولة الوصول إلى الطريقة الصحيحة؛ رغم أني عرفتها جزئيًا، ثم أني شخص غير متهور فهأنا أقفز على سريري ولن أتأذى!.


لم أر أمي نادمة على إخباري بمعلومة كندمها ذاك اليوم، عادت لتخبرني أن هناك الكثير من الأقاويل عنه فالبعض قال أنه سقط وكسرت ساقه ثم توقف، والبعض قال أنه جربها لكن على مسافة قصيرة ونجحت تجربته في التخفيف من السقوط وليس الطيران!، فقدت أملي فيه سريعًا ياااه كنت أحسبه شخصًا استطاع الطيران أو اقترب منه، أما البراشوت فهو سهل، طوال الوقت أحصل عليه بدل أن أستطيع الطيران!


طفقت أحاول الطيران والبحث عن الكنوز؛ لكن عبثًا أحاول لم أستطيع لا هذا ولا ذاك!


الشيء الوحيد الذي استطعت الوصول إليه؛ هو شعرٌ طويل حتى منتصف ظهري وهو أكثر ما كنت أظنه مستحيلًا في الأصل. حتى أني قصصته بنفسي بعد أن اطمأننت لطوله.


جمانه الفرّاج




٢٧ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل
مشاعر

مشاعر

Comments


تم الأشتراك في القائمة البريدية

  • Twitter

جميع الحقوق محفوظة لمبادرة "مِدَاد" 2020

bottom of page