أستغرب دائماً من جرأة الموت، جرأته بأن يكون حقيقياً. و القدرة على الجزم بالحقيقي هي المستحيل الوحيد في هذا الوجود. أن تكون حقيقياً، هذا ما لا يقدر عليه أي شيء في الكون، عدا الموت !
يفرض نفسه كواقع، يدخل دون استئذان للبيوت، بلا تردد، يرفضه و يكذب بوجوده أهل المنزل، يصر على فرض نفسه، بل يبتسم، ثم يضحك على التخبط الذي يعيش في نفوس أهل البيت، و الذين هم من حول الضحية التي أغداها ميته، يرى و يتمعن بإنكارهم لحقيقته؛ الزائر اللئيم، فيطرب، أيما طرب !
الموت يضحك، عندما يرى الأم تتوجه وقت الفجر لغرفة ابنتها لتوقظها للصلاة، ثم تفجع الأم بالسرير فارغاً، 10 ثوانٍ من الهلع، ثم تستوعب أن ابنتها سرقها الموت قبل أسبوع، تنهار الأم باكية، و الموت يضحك!
الموت يضحك، بانتشاء، عندما يسمع الصوت الذي يسيطر على رأس الشابة العشرينية ويقول لها "هذه مزحة، مزحة ثقيلة، ستمر كأي مزحة، وتعود صديقة العمر، وتعود ضحكاتكن سوياً بصخب أكبر".
الموت يضحك، على الطفل الذي نادى معلمته ماما، ليعرف شعور قول الكلمة التي يقولها كل زملائه بأمان وأنانية بينما هو لا يفهمها. يستوعب الطفل أنه نطق الكلمة فعلا، ولكن أين الشعور بها؟ لا زال لا يفهمها، أما الموت؟ فيفهمها جيداً، ولا زال يضحك.
الموت يضحك، على الشاب الذي يتأمل خاتم الخطبة في يده، ثم يرفع رأسه ليقول لصاحب محل الحلويات "لو سمحت، حجزنا عندك سابقاً كعكة عرس كبيرة باسم خالد و رنا، أل .. ألغي الحجز من فضلك"، دمعة خالد تطيح، و الموت؟ طبعاً يضحك.
يضحك الموت، ويضحك ويضحك، ويطرب للضحك كلّما أمسكت يده بمخلوق، وطاحت عينه على ذويه، تائهين مكسورين و مُكَذّبين، و هو يعلم يقيناً أنه الحقيقة المطلقة، فيضحك، ويضحك، ويضحك!
رغد النغيمشي
*الصورة للفنانة مها عواض
Commentaires