هناء تدخل المكان، ترمّق الجميع بنظرة تحذير "حافظوا على حدود المسافات، لست على استعداد للتعامل مع انسانيتكم"، هناء تجلس بمكتبها و تُبرز الحواجز، لا تتأخر هناء بنهر الموظفة التي أسقطت قلم الرصاص على مكتبها دون قصد.
نورة، تستمر بابتزاز مريم بعائلتها و شكلها، الذي على حد قول نورة "غريب"، "مريب"، "لا أرتاح لتفاصيل تصرفاتك، إنها تنُبىء بأنك لست ببعيدة عن سلوك والدك المجرم"، "ما أدراني؟ ما المانع من تشربك لنظرة والدك الإجرامية للأحداث؟"…
محمد، سمي سيد المرسلين جليل الأخلاق مُحمدٌ، ينهر الأطفال أمام منزله كل يوم؛ لأن "في كل الأطفال خبث، خبث الغباء. لستُ مُلزما بملاطفتهم!".
رائد، يحب التدخل في حياة الآخرين، يحب توجيههم في كل التفاصيل و تقييم أفعالهم بل و تصنيف الناس وفق عدة تصنيفات اخترعها هو. ما أن يمر شخص من أمام رائد، أي شخص كبيراً كان أو صغيراً، إلا ويصبح غبياً، غير محترم، تافه، قذر، لا يُعرف سبب وجوده في الأرض حتى. نعم الأرض كلها يجب أن تكون للرائد رائد، ذا الخشم المرفوع فوق كل الخليقة.
خالد، وديع حبيب، يحب الحديث، يحب الحديث، يحب الحديث. "رأيتُ بيتكم الرائع،و لكني أعجب من اختياركم للسكن بجانب ذاك الجار، هذا الرجل ذاته الذي انتشرت فضيحته بعد خسارته بالأسهم قبل سنوات، والذي كُشف و هو يلعب القمار و يغسل الأموال، إلا أنه قد تعافى كما يُقال" ، " هل سمعت آخر الأخبار؟ أبا أحمد، غائص في مشاكل تربية ابنه أحمد ذا الرأس العنيد"، الخ…..
هناء، نورة، محمد، رائد، خالد، أسماء بديعة جداً. يعيشون مع المجتمع، بل هم جزءاً يُحترم منه، غير مدانين بأية تهمٍ قانونية، لديهم كل الحرية في التنقل والعيش والمخالطة، ولكنهم قادرين على جعل المجتمع يألف الجرائم والفساد والفوضى واليأس. هؤلاء الأشخاص لا يأتون بالشر مباشرة، بل يغرسونه. ما الذي حل بالموظفين وبمريم وبالجار وبكل وضيع في نظر رائد بعد الدقائق القليلة التي قضوها مع تلك الشخصيات؟
كم من الوساوس والتأنيب والشكوك والأفكار السلبية التي حاصرتهم بعدها؟ هل اقتنعت مريم بعد بأن الإنسان لابد وأن يكون نسخة لأبيه؛ و صارت مجرمة؟ هل كبروا الأطفال المهمشين اليوم ليواصلوا فعل التهميش مع كل من سواهم لأن هذا شكل التعامل بنظرهم؟ هل قام الطفل الذي همّشه رائد بعد ٢٠ سنة بنسف عمارة فقط ليثبت كم عظيماً هو لا دنيء؟ هل ضاعت سمعة الجار في حيه وتكدّرت أيامه بعد أن قال خالد كلمته و مشى؟ هل أصبح الموظفون يبدأون يومهم ببؤس و احباط بسبب الذهاب لعملهم بعد أم لا؟
الشر موجود بتجذر بلا شك، ولكن شيء منه تحت الملاحظة والضبط والعقاب، وشيء منه (خفي)، يجول في الأرض بغطاء يُطبعه، ولكنه قادر على جر المصائب. الشر الخفي هو المأساة التي تتبختر بيننا دوماً، ونحن خاضعين لها ورؤوسنا مرفوعة.
رغد النغيمشي

Comentários