أنا وجه مدينتي، وكل من يعيشون فيها يشابهونني و إن اختلفوا، لا مجال للاختلاف في القاهرة! حتى و إن تطرفت في تيّار وقاهري آخر متطرّف في تيّار آخر؛ كلكم و إن بلغ فيكم الجموح مبلغ الغمام، فأنتم تحت طوع القاهرة!
القاهرة، تعيش عنك حياتك بدلاً منك، و أنت؟ أداتها.
تستيقظ في الصباح على صوت "بواري" المركبات في الشوارع التي تحاصرك، أنت في ميعاد استفاقتك من النوم غير مخيّر! أصوات الملاعق تترنم في "كوبايات الشاي" من كل شرفة في الشارع في كل جهاته؛ فالشاي هو مهمتك التالية!
تنزل للشارع، أنت والسيارة والدراجة العادية والنارية؛ في الشارع سواء! هنا، لا تتأخر القاهرة بتذكيرك بأنك ملزم بالكفاح حتى تنجو!
تنجو، وتصل لمقر عملك، حيث المكاتب متراصّة، تدخل أنت وكل من قبلك وبعدك و تصبحون على الموظفين بذات التصبيحة: "صباح الورد"، و الرد موحداً يكون: "صباح الفل" …!
تبدأ بالعمل الروتيني الذي تحلم ليلاً نهاراً بالتخلص منه، حتى تأتيك أوامر المدير بتغيير كل ما بدأته لصورة ثانية، هذه الأوامر التي يعرفها المهندس والمعلم والمحاسب، فكل مدير في القاهرة لا يصير مديراً إلا ببروتوكول موحّد.
في نهاية النهار تعود لبيتك والدنيا طرِبة تغنّي، فالمزامير في القاهرة لا تنطفئ، و أنت تشعر أن أم الدنيا كلها على رأسك، و لا تمل من التغابي عندما تسأل لماذا يا ترى؟ تجد في منزلك أسرتك الصغيرة والكبيرة، مجتمعين في الصالة ذات الأبعاد ٤*٥، كلهم نفس الملامح وإن اختلفت القياسات، هم هكذا!
خيرات الأرض كلها على سفرة الطعام، خضار محشية بالأرز، حمام محشي بالأرز، أرز، وملوخية لكسر الروتين. يستمر الجميع بالحديث، هذا مع أن الجميع مرهق يرغب بالهدوء، ولكن القاهرة تأمرهم بذلك!
أخيراً.. وقت النوم، وقت الهدوء؛ تتمنى، ولكنك في القاهرة، إنه وقت الطرب في الظلام، ثم تستيقظ على أصوات "البواري"، ثم الملاعق في الكاسات، ثم……!
رغد النغيمشي
Comments