top of page
شعار مداد.png

بدأ الخريف يا سادة

همست بذلك لنفسي حين سقطت أمامي ورقة من شجرة لتبدأ بذلك حفل استقبال الضيف الأعز على قلبي وهو فصل الخريف. وقفت أتأمل أشجار الخريف لبرهة من الزمن ثم جريت بأقصى سرعتي لمكاني المحبب (غرفة العمليات). ألقيت بحقيبتي على الأرض ولم أهتم لما انكسر بداخلها أنا فقط كنت أنتظر هذه اللحظة منذ عام فلا شيء مهم الآن سواها. عقمت يداي وارتديت الزي المناسب ودخلت أخيرًا لذاك العالم؛ أجدها عالم أكثر من كونها غرفة واحدة. رأيت الطاقم الطبي ينتظرني، كنت أنا الجراح الرئيس في هذه العملية، نظرت لهم وقلت "لنبدأ". تلك العملية المميزة هي إحدى عملياتي التي اعتدت سنويًا على القيام بها مرة في الخريف مع تأخر يوم في كل سنة. بدأت بفتح جسد المريض من أعلى رأسه وحتى أخمص قدميه بمشرط لو لمس يدي بشكل سطحي لقطعها. حينها فقط كنت كمن فتح ستار مسرحية موسيقية معلنًا بدأها؛ فأولئك الصامتون سابقًا أصبحوا الآن في نقاش حاد حول المريض. كانت الأصوات تعلو شيئًا فشيًا حتى اعتقدت أني سأصم. فجأة صرخ أحدهم بصوته الحاد حين انتبه أنني توقفت عن إكمال العملية لأستمع لهم "أسرعي بإكمالها لتنتهي سريعًا" تلك الكلمات كان لها رائحة دماء قذرة أيقظت بقية الأموات-الأحياء ليتحدوا في صراخهم هذه المرة على "أسرعي". لطالما كرهت تلك الكلمة فالتريث محمود والعجلة للندم تقود لكن تلك الأعين المفترسة لم تترك لي خيار الانتظار قليلًا بل وجدت نفسي أستجيب سريعًا لطلبهم بعد أن نظرت لتلك الأزواج مستحضرة جميع ما قالوا قبل قليل في ذهني. عدت لإكمال العملية وبدأت التنبيش في ذاك الجسد الملقى بإهمال على الطاولة أمامي. كنت أنبش وفي يدي سيف العمليات التي افتتحت فيه معركتي هذه، كانت معركة مزاد في الحقيقة فالجميع كانوا يزايدون على قراري الأخير، قرار أي جزء من ذاك الجسد الضعيف سأنتشل هذه السنة. لم يكن القرار يستند على مدى سوء الضرر في الجزء الذي سينتشل من تلك الآنسة وإنما على مدى غضبي حين أضع يدي على ذاك الجزء وأنا أتذكر أسوء تعليق ذكره المزايدون. الأمر كان أشبه بسباق بين عقلي ويداي؛ فكلما زاد استحضار التعليقات في ذهني حدة زادت سرعتي في التنبيش والتخريب حتى يفوز التعليق الأحد في معركة الأفكار تلك فأنتزع الجزء المظلوم دون وعي. أنهيت العملية أخيرًا لكن مهلًا.. انا لا أسمع شيئًا!!! هل فقدت سمعي بسبب الضجيج السابق؟ لكني تأكدت أن أفواههم أغلقت حين أكملت العملية ولم تفتح مطلقًا! على أي حال نزعت كل شي عني لأغلق على ما حدث في مكان حدوثه وخرجت من غرفة العمليات لأجد أختي تنظر لي بانزعاج وتقول " كم مرة يجب علينا أن ننادي للعشاء لتحضري؟" ابتسمت والتفت للخلف حيث المجلس الأكبر في منزلنا، المكان الأهدأ والأدفأ ويتسع لجميع أوراقي حين أسمح لها بسقوط دافئ في الخريف خلاف ما أبدو عليه في بقية العام.


نورة العتيبي

 
 

Comments


تم الأشتراك في القائمة البريدية

  • Twitter

جميع الحقوق محفوظة لمبادرة "مِدَاد" 2020

bottom of page