top of page
شعار مداد.png

بين الواقع والخيال

أصبحت أعيش في خيال واقعي، أو واقع خيالي؟ لا أعلم حقيقةً ولا يهم هذا، المهم أني لا أتواجد كثيرًا في هذا الواقع.


رحلتي بين عوالم البروفيسور

في تمام الكآبة عصرًا لم أقوَ على الاستمرار في هذا الواقع وأخذت أتصفح رواية العصفورية، لأجلس على الكنبة رفقة البروفيسور مستمعًا لأسئلة الدكتور سمير ثابت عن حالة البروفيسور النفسية، لنهرب بعدها أنا والبروفيسور أيضًا إلى خياله، لنجوب العوالم المختلفة التي ابتدعها في خياله المذهل، رافقت البروفيسور العنصري أيضًا في إحدى رحلاته مع حبيبته السمراء يتبادلون فيها روائع الشعر والنثر، وكنت مسحورًا بجاذبية الحب والنظر إلى المحبين دون علمهم بوجودك، فيه من النشوة الكثير، نشوة لا يعكر صفوها الغيرة أو الشك أو الملل من الطرف الآخر، ولم تستمر هذه النشوة السحرية كثيرًا، فما إن رأيت حبيبة البروفيسور "الجنية" الغيورة اقشعر بدني وصرخت مرتعبًا من نظرتها لي، فما سبق لي أن لاحظني أحد في خيالاتي الواقعية.


وقعت الرواية من كفوفي ولم أكلف على نفسي حتى بوضع فاصل خيالي بين صفحات الرواية، فلا أظن لي عودة لمرافقة البروفيسور بوجود جنيّته المرعبة شديدة الجمال.


القط النتن

استلقيت على الكنبة بعدها وأخذت أقلّب بجهاز التحكم حتى وجدت مسلسلي المفضل، أكملت الحلقة وسرعان ما وجدت نفسي أشرب قهوتي مع أصدقائي الستة في "سنترال بارك" أستمع لصديقتي الشقراء تردد أغنيتها المفضلة عن قطها النتن بصوتٍ لا تطرب له الأذن بتاتًا، ولكني لا أشتكي من هذا قَط، وبمجرد انتهاءها صفّق لها كل من في المقهى.


وعدنا نستمع لقصص صديقنا الأخرق عن عمله شديد الملل فمن يأبه بقصة ديناصور انقرض من آلاف السنين! تململت في مكاني وخرجت لأرى شوارع نيويورك واكتشفت أنها ليست إلا إستوديو تصوير غير واقعي! غضبت بشدة وأغلقت التلفاز مباشرة.


كوب قهوتي وشوارع الرياض

نظرت إلى نافذة الغرفة وكانت الشمس على وشك الغياب وترائي لي أنه وقت مناسب للخروج لمقهاي المعتاد، ركبت السيارة وكانت أغنيتي المفضلة على المذياع "ومع آخر أنفاس الظلام والانتظار ملامحي بين الأنام بانت نهار" وأصبحت فجأة أنظر إلى محبوبتي تتهادى بين الجموع تقترب مني أكثر فأكثر، وابتسامتي أصبحت كيانًا مستقلًا عني من شدة الفرح، وسرعان ما أعادني لرشدي بوق إحدى السيارات التي أوشكت على الاصطدام بها، شتمته سرًا واعتذرت ملوحًا.


وأكملت طريقي حتى وصلت لأجلس في مكاني المعتاد على كرسي مرتمي على طرف من أطراف المقهى يمكنني النظر من خلاله على كل من يجلس في المقهى، لم تمضِ سوى بضعة دقائق حتى وقعت عيناي على طاولة يجلس عليها ثلاثة أصدقاء في مقتبل العمر يتحدثون عن خططهم لهذا الصيف، أخذني هذا الحديث بدوره لذاكرة قديمة في إحدى رحلاتي عائدًا فيها للرياض برفقة صديقي وفي خضم حديثنا قاطعتني فتاة حسناء لا أزال أذكر شعرها الذي يشبه الليل المنسكب على منكبيها، فتحت بدورها لخيالي فرعًا جديدًا تشاركني فيه السكن ونعيش فيه أبهى قصص الغرام والهوى، انتفضت في مكاني بعد أن رن الجهاز منبهًا إياي أن قهوتي أصبحت جاهزة، تمنيت لو أني أتصف بالوقاحة الكافية لأحطم هذا الرنّان على الجدار، أخذت قهوتي ورحت أتصفح مواقع السينما لأرى إن كان هناك ما يصلح مشاهدته الليلة فلا أظنني أملك الجلَد الكافي للصبر على كل تلك المعكرات لصفو الخيال، وجدت فيلمًا عن طيّار حربية سابق يعود ليدرس عددًا من الطلبة عن أساليب الطيران شديدة الخطورة، أضعت الوقت المتبقي حتى يبدأ فلمي بالتجول في شوارع "الرياض".


في قلب الخيال

وصلت لقاعة السينما قبيل بدء الفيلم وأخذ رجل الحراسة يمنع دخولي للقاعة بالإضافة لمشاعري وذكرياتي وجل ما يشغل تفكيري حتى أدخل الفيلم مجردًا منها ووضعها في خزنة خارجية، جلست في الصف الأخير حتى لا أضطر إلى سماع دردشات الأصدقاء عديمي الاحترام أو أحاديث حديثي الزواج الذين يعتقدون أن مشاركة المشروب هي أقصى مراحل الغرام.


بدأ الفيلم ووجدت نفسي فجأة أضع بدلتي الحربية استعدادًا لوصول معلمنا المخضرم بدأ بالكلام الأكاديمي الممل عن ميكانيكيات الطائرة وكل هذا الهراء، وبعد مرور بضعة من الوقت ذهبنا لموقع الإقلاع وركبت أنا وصديقي الجندي طويل القامة طائرتنا استعدادًا لتجربة الإقلاع أغلقت باب الطائرة النفاثة وارتطم الزجاج برأسه، لم تكن مقصودة والله! ليس بتلك القوة على الأقل، حلقنا فوق شواطئ أمريكا والمناظر الخلابة تسلبني من حقيقة أننا نتمرن على قتل الجيش المعادي.


انتهى اليوم الأول لتمريننا وكنت منهكًا فلم أشاركهم نزهة الفجر في شوارع المدينة فعدت إلى شقتي واستلقيت على أريكتي في غرفة المعيشة وسرعان ما سرقتني غفوة مباغته أحلم فيها عن كوني محققًا لجرائم القتل، أنظر للدم المتناثر على جدار شقة الضحية، ماذا يحدث؟ أيٌ خيالٍ هذا! لا أعي ما يحدث ولم أملك القدرة على العودة لواقعي، كيف وأنا لا أعلم إن كان الجندي هو الواقع أم الشاب الجالس في أواخر مقاعد السينما أو حتى إن كانت هذه سينما فعلًا لا خيال آخرَ أجهله!؟


سعود الداود



٢٥ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل

مشاعر

Comments


bottom of page