تلاحقني الأسئلة سارقةً طمأنينتي، أركض مسرعةً كما لو أنني أفر من موتي؛ أصدم بجدار المواجهة؛ فأسقط متعبة باكية؛ ماذا أجيب؟ لا أملكها
أرى السماء وأتمنى لو تسع قلقي المستمر، أبكي كلما رأيت نجمة ساطعة، وددت كثيراً أن أنير في هذا الظلام الموحش؛ أن أرى الأفلاك وأحوم معها حول مدارات حياتي دون أن أهرب من نفسي إلى المجهول.
أرى انعكاسي في المرآة، لقد تغيرت كثيراً، ومضت أيامي كالبرق، مخيفةً جداً، لم أتأهب لذلك المكوك الذي ركبت فيه دون أن أعلم؛ أن أصل هنا دون علمي، يتساقط الثلج على كتفي، معلناً نهاية السنة، لم أستعد لذلك أبداً ولم أتأنق لبدايتها بالشكل المطلوب، تتسارع خطواتي مرةً أخرى وتتعالى دقات قلبي على أنفاسي، أصدم مرة أخرى بجدار الحقيقة.
جلست باكيةً ودمعي يحرق وجنتاي، يمر العابرون من حولي بحذر؛ خوفاً من أنى مصابةً بالجنون، أراهم وكما أنهم مجرد أجساد بلا ملامح، يعتريهم السواد، ألا تحنوا أيديكم أن تمدوها لانتشالي من قاع هذا القلق؟ أو حتى استكثرتم أن تخرجوا أصواتكم المكتومة بسؤالي: "كيف حالك"؟ كيف للإنسان أن يكون بخيلاً حتى بتحريك شفتيه؟!
أنهض من حطامي، وأمضي في ذلك الطريق الضيّق؛ أو بالأصح ضاقّ عليّ من ضيقي، أصل إلى منزلي أفتح الباب بكل سكون، مغلقةً الباب عن العاصفة التي تركتها ذكرى للشوارع التي مررت بها.
أفتح مذكرتي، أسمع أنينها؛ تبكي على هذا الأسى، مهلاً مهلاً؛ هل تبكي عليّ الأوراق؟ يا لعار الإنسانية!
أسمع صوتاً خلف الباب، رف قلبي فوق جسدي؛ لابد أنه عاد معتذراً! أشرّع الباب و يداي معاً على مصراعيهم، لكن كانت محض قطةً تبحث عن مأوى في هذا الشتاء بدلاً من أن تحشر جسدها في مكائن السيارات لتدفأ، نظرت إليها ونزلت إلى مستواها ودموعي تعكر وضوح رؤيتي، أحدثها قائلة: حتى أنا أبحث عن دفء لداخلي الذي تجمد برداً منذ أغسطس والشمس عامودية تحرق الأرصفة والشوارع، تحشرجت عبراتي لما رأيتها تنظر إليّ وكأنها أست لحالي، حضنتها وكأنها ملاذي الآمن، كانت تواسيني وهي تحرك جسدها على جسدي، رن المنبه، واستيقظت من حلمي؛ لأعيشه في الواقع فلم يكن إلا جزءاً منه، تعكس الشمس أشعتها على غرفتي وظلال النافذة تكسره، حتى الأشعة تأبى أن تدخل كاملةً إلي، أنهض من سريري وأنفض فوضاه كما لو أن كل ما بداخلي عليه، على أمل أن أنفضه حقاً يوماً؛ فيسكن إيقاع قلقي وتتراقص بخفّة طمأنينتي؛ منذ مدة وهي في سكون؛ حتماً ستحرر.
هيفاء إبراهيم
Comments