top of page
شعار مداد.png

جسرٌ في مدينة الشمس

عقودٌ مضت منذ تنفست الوجود فجأة في تلك المدينة القاحلة، جافة جداً وشمسها حارقة، كنت أظن بأن سطحي ذائب لفرط انصباب أشعة الشمس عليه كإناء مندلق، ولكن إطارات المركبات التي كانت تمرني سلسة الحركة وجافة الملمس، فأدركت عندها أن الامر ليس سوى هلوسة ضربة شمسٍ دائمة فاعتدت عليها. عند حلول الشتاء الأول جربت انكماشي الأول أيضاً، كان الأمر رهيباً في بدايته، اُعتصرت حتى شعرت بي اتقلص لحجم برغيٍ في خاصرتي، ولكن ذلك الألم البسيط تلاشى حين جربت أولى التشعرات في جسدي، ذلك الفراغ الطفيف الحاد الذي يتسلل خفية إلى أعماقي، بسيط في منظره ولا يكاد يُرى، كان ذلك المسرب الأعظم للألم، طوال الوقت وببطء، يئز خفية داخلي ناخراً نحو عمقي، أصبحت كهلاً الآن كأصحاب المركبات الصدئة التي تمرني ببطء دائماً، أصغي السمع فأدركه، صوت الوهن في عظامهم، وبحة الكِبَر في أصواتهم النادرة، أعي ذلك كُله وأدركه، كما أدركت قبلاً أطفالاً وشبابا على طول وجودي. مخلفاتٌ تتكوم على أطرافي، يتحلل بعضها فتتطاير ذراتها مع مركباتٍ مارة، مسرعة غير آبهة بما يجري لي وعلي من أحوال، مزامير مركباتهم، سبابهم القبيح وبصاقهم اللزج، لفترة قريبة ظننت بأن هذا هو الشكل الأساسي للبشر، أنهم مفطورون على الهمجية والوقاحة، أسترق السمع لما يقولونه داخل مركباتهم، دناءة وحقد وحسد وخداع وتملق، الحديث عبر هواتفهم بحالٍ والتحول لحالٍ آخر عن إغلاقهم لها، أدركت ذلك كله في سنيني المبكرة وذويت بعدها سريعاً، أتمدد وأنكمش، أكوام الغبار وذرات النفايات المتحللة، علكة وبصاق وعلب معدنية مسحوقة استوت بسطحي، جسرٌ في مدينة الشمس يرنو إلى الخلاص، جل ما أريده الآن أن أعتزل الوجود.



سديم الراجحي

٢٦ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل

مشاعر

コメント


bottom of page