ولدتُ في منطقة ريفيّة، لا يكون المرء فيها ناجحاً مهما فعل؛ ما لم يسلك طريق أبيه. وأنا لم أشبه أبي سوى بملامح وجهه، وعرض قدميه، والصلع الذي يغزو رأسه.
لطالما أحببت أبي، وأحببت اختلافه، أحببت همّته وعزيمته وبساطته وبسالته، لقد كنت أقل من أن أشبهه، وأضعف من أن أتقمّصه.
كان أبي فلّاحاً وشغوفاً بعمله، وكنت أحلمُ بأن أكون مهندساً، كان مُحبّاً للبقاء في القرية، وكنت راغباً بالعيش في المدينة. كانت طرقاتنا متعاكسة، ووجهاتنا متباعدة، ونظراتنا مختلفة، رغم أن أعيننا كانت تتشابه.
كبرتُ بعيداً عن أبي، رغم كوني بجانبه، كنت أرافقهُ في الحقل بأمل الإفلات، أشدُّ على المنجل بيدي وكأنني أشدُّ على أحلامي التي سأسعى إليها بعد أن أتجاوز هذه المرحلة.
لكن كل تلك الأشياء انتهت بموت أبي. كان لزاماً عليّ بعد رحيله أن أطوي أحلامي بعد ثلاثة أيامٍ عند استيقاظي لأذهب إلى الحقل لوحدي، وأكون فلّاحاً، وأن أتولى أمر المنزل، وأن أبقى في القرية. جميع من حولي أرشدوني إلى ذلك، لم تعد الطرق متاحة أمامي سوى طريق واحد، وقد سلكته.
مات أبي، فركنت حياتي جانباً، لأكمل حياته.
عمر محمد العمودي

Comments