top of page
شعار مداد.png

رحلةٌ معَ الذَّات

تداولتِ الأيَّامُ وأنا أرنو إلى أسقُفِ داري متفحصةً تجاعيدَ السِّنينِ التي مرَّت عليها، أتساءَلُ عن كيفيَّةِ استطاعةِ تحمُّلِهِ الثَّبات كلّ هذه السِّنين؟ أأستطيعُ أنْ أعيشَ مثلَه سنينًا طِوال صامدةً بهذا الثَّبات؟ وكيفَ ذاكَ وأنا بلا أعمدةٍ تُشيِّدُني! ومن سيكونُ واقفًا بجانبي يحملني يسرةً ويمنةً ليعاونَني؟ مازلتُ أبحثُ عن تساؤلاتٍ عدَّةٍ تخطفُ بصرِي فتمنعُ عيني مِن النَّومِ ليلًا، أرقٌ يداهمُنِي في التَّفكيرِ عن مستقبلِي وحياتِي وعملِي وكيفَ ستكون، وكثير من نحو ذلك.


إلى أنْ قرَّرتُ السَّيرَ إلى رحلةٍ جديدةٍ معَ ذاتِي، أخوضُ تجاربًا عميقةً بتفاصيلِها العظيمةِ دونَ تخوُّفٍ أو تراجعٍ منِّي.. فخطوتُ خطوةً إلى الأمامِ موقِنَةً بأنَّ الوقوفَ بلا أعمدةٍ انهيارٌ.. والبناءَ بلا تخطيط ٍدمار.. والسَّيرَ بلا خريطةٍ ضَياع..

طويتُ آخرَ ليلةٍ أودِّعُ ذكرياتٍ باتَت في خلايا الدِّماغ متحفظةً بتلكَ الصّورِ التي لطالما نظرتُ إليها ليلًا كلَّ يوم، أقبِّلُ رؤوسَ أشخاصٍ لمْ يؤمنُوا بِي مُلوِّحَةً بيديَّ السَّلامَ بِلَا عَودة.


سِرتُ في صباحٍ سطعَت أشعةُ شمسِه عليَّ إلى طريقٍ جديدٍ لا أعرفُ اتجاهاته جيدًا بعدَ أنْ أفاقَنِي صياحُ الدِّيك، تأمَّلتُ منظرَ سِربِ الطِّيورِ وصفاءِ السَّماءِ وجمالِ الغيومِ وهدوءِ العابرين حتى ملأنِي شعورٌ بالرَّاحةِ أعادني إلى تهجُّدِي ليلًا معَ اللهِ وكأنَّنِي أعيشُ هذه اللحظةِ الآن!


مررتُ برائحةِ قهوةٍ رسمَت على مُحيَّايَ ابتسامةً عريضةً أنعشَت روحِي فإِذَا بامرَأةٍ أمامي تُبادِلنِي الابتسَامَات، اقتربَتْ إليَّ وقالت: أضفتِ إلى قهوتِي السُّكَّر من ابتسامتِكِ الجميلة، شكرًا لأنَّكِ غذَّيتِ روحِي بهذهِ الطَّاقاتِ الخلَّابة! نهضتُ إلى أعمالِي مُسرِعَةً ولا أعلمُ أيًّا مِنَّا أفادَ الثَّانِي! لكنَّنِي أعلمُ بأنَّ جميعَنا نحتاجُ إلى هذِهِ التَّبادُلاتِ حتَّى تعمَّ الدّنيا بالإنجازاتِ والأفراح.


غُصتُ في رحلةٍ التَّجاربِ والتَّحدياتِ مع الذَّاتِ مُستفِيدةً بأمورٍ لم تخطرْ على البال وخبراتٍ لم أفكرْ بخَوضِها يومًا مِن الأيَّام إلى أنْ تكالبَت عليَّ الأوضاعُ فعانقَني تعبٌ شديدٌ جعلنِي أخشَى المداومَة!


أعادَني إلى حالاتِ الأرقِ السَّابقة، وفي كلِّ يومٍ أنهضُ إلى صباحٍ لَمْ أَنمْ ليلَهُ؛ لأنجزَ أعمالًا تراكمَت عليَّ لكن أصحابَ هذه المرحلة كانوا دومًا يستقبلونَني بصفقةٍ حارَّةٍ وبأصواتٍ تَعلوهَا أخبارٌ سارَّةٌ تُعظِّمُ سَعيي وتُمَجِّدُ أَمرِي تجعلني أتذكَّرُ بإيمانٍ تام جمالَ قولِ الشَّاعر:


إنَّ المعاليَ بالأفعالِ نُدرِكُهَا حبلُ الأمانِي لا يُدنِيكَ مِنْ أملِ


جواهر الرشيد



 
 

Comentarios


تم الأشتراك في القائمة البريدية

  • Twitter

جميع الحقوق محفوظة لمبادرة "مِدَاد" 2020

bottom of page