لا يؤمن بالوداع، ومن تقاليد مجتمعه التي يمقتها جدا وجوب الحضور عند توديع الأهل أو الضيوف، ربما للسبب ذاته اكتسب صفة انعدام الحياء في نظر المتعصبين لتلك التقاليد، فلا هم يرونه ولا هو يراهم قبل رحيلهم، لا زال يتصنع النوم كل لحظة وداع، أما عندما يكون هو الراحل، فيحاول بكل بؤس أن يتجنب السلام والنظر بأعين من يحبهم تحديدا، ولا يدري أنه بذلك يثير شفقة نفسه أكثر، لا يعلم متى اكتسب هذه العادة ولكنه مؤمن أنها متجذرة به منذ بدء تكوينه، كانت تطرحه الحرارة في طفولته كلما ودّع والده وجها لوجه، فتتوالى عليه الكوابيس حتى يقعد من نومه غارقا في عرقه، ولكن المرض والقلق والكوابيس بقدرة الله تنطفئ حالًا عند سماع صوت والده قاصدًا طمأنته، براءته وسذاجته كطفل لم تمنعه من تمييز السبب، فصورة المسافر تظل تؤرقه حتى يعود، لذلك اعتاد أن يستودع الله قلوبهم الرقيقة ويحفظها له، فيكتفي بذلك حتى حين عودتهم، هل يعتقد أن انسحابه من المواجهة سيجنبه رهبة الألم دائمًا؟ يا لتعاسته..

روان الحلافي
댓글