لطالما كانت طفلة شقية تدور في فلك لوحدها. تتأمل وتتأمل وتتأمل، وتتفوه بالترهات، لا معنى لحديثها أو تصرفاتها، كأنها قادمة من جرم آخر. قابلتها قبل عدة أيام، حينما كانت تجدد هويتها وأنا هنا لفقداني خاصتي. بلغتْ العشرين على الأقل، دعتني إلى معرض تقيمه، قالت إنه قريب من مقر عملي، ويجب علي زيارته، ولكوني صديقة قديمة فإن بإمكاني رؤيته قبل الجميع. بعد الطوابير الطويلة ووجه العاملة المتأفف حصلت أخيرا على هويتي.
بمجرد خروجي من المكان، رأيتها تلوح لي مودعة سألتها ما الذي تخططين لفعله اليوم؟ آخر ما سمعته قبل إغلاقها باب سيارتها هو: "سألون السماء!"
يا لتلك الطفلة، أكره كونها شابة، فهي تزداد شبابا، بينما تغزو التجاعيد تفاصيل وجهي.
ولكن السماء؟! ربما تكون ملونة، ولكن ليست سمائنا، هناك سبعة منها. لا أحد موقن بهيئتها وألوانها، لكن ما أنا موقنة به أن تلك الصغيرة ما زالت تعبث. ما يثير غضبي حقا هو كيف حُشرت كينونتي بقطعة بلاستكية. بدونها أنا مجهولة الهوية، خارجة عن القانون حتى إشعار آخر.
بعدها بعدة أيام..
أراد العم عامر إغلاق المؤسسة، واعدني أخي أن يقلّني، ولكن أحد أصدقائه تعرض لحادث مروري فذهب لتفقده. كان الرجل أمامي متأففا ينتظر مغادرتي. طرأ علي ما حدث قبل عدة أيام. تذكرت أن المعرض في المبنى المقابل، سلّمت على عم عامر الرجل البغيض، وذهبت إلى المعرض آملة أنه ما زال مفتوحا. أخبرني الحارس أنه في الجهة الجنوبية من المبنى. طرقت الباب، لكني فوجئت به مفتوحا. ترددت بالدخول، ثم ألقيت السلام. لم يرد أحد، ولكن الإضاءة كانت مفتوحة؛ أي لا زال هنالك شخص ما على الأغلب. تسللت كل الأفلام السوداء التي شاهدتها بحياتي لرأسي، وبدأت تعيد نفسها، ولكن مع كوني البطلة المغتالة. ابتلعت ريقي وشتت ذلك الجمال المعلق كل السواد. أردت مرارا إنكار ذلك الجزء مني، ولكني محبة للفنون. رأيتها نائمة على لوحة كبيرة لم تمسسها الألوان. أصابعها النحيلة وخصلات شعرها ملطخة بالألوان. كل تلك القوالب والعلب الفارغة المفرغة من الطلاء، لم لا أعتقد أنها فرغت على اللوحات؟ لأنها ببساطة كمية أكبر من أن تملأها. غطيتها بمعطفها الملقى على السلم. لفت نظري كتاب ملقى لم أعتقد إنها تميل لهذا النوع من الكتب، لفتتني العبارة الملونة "بين الواقع والخيال هناك برزخ لا أنتمي إليه". شعرت باهتزاز في جيبي، لقد وصل أخي أخيرا، هممت بإطفاء الإضاءة، ذُهلت بالسقف الذي أضاء كل تلك الأجرام التي سمعت عنها معلقة فوق رأسي، لم أعد أسمع أي شيء، تجاهلت تلك المكالمة، سقط الكتاب من يدي. التهمت سماؤها عقلي وغرقت بين براثن النجوم..
لطيفة الخريجي
Comments