هل سأرى تلك العيون الحزينة المتمردّة؟
كان حزنا ماردا، وكنت أظن قبله أن كل عيون الحزانى تكون كئيبة واجمة.
هل سأرى ذلك الكاتب الحزين؟
ولكن ما شأني أنا به؟
لم أضعه كشيءٍ جديد مهم في روتين حياتي؟!
تغافلتُ عن كل تلك الخواطر والأفكار فركنتْ إلى السكوت.
وكأي يوم، أدق جرسا ليُحضر إفطاري في غرفتي. أدخل للبانيو وأغطس بكلي، ذلك بعد أن أنظر إلى جسدي الذي امتص حياته الحزن، لكنه جسم أنثوي متّسقٌ تماما، يثير الاشتهاء.. ولو خُبيء خلف عباءة، أكره أنوثتي وأكره هذا الجسد!
أحول ناظريّ إلى تقسيم الوجه، لي ملامحٌ منمنمة.. فم وأنف صغيران، وذقن مستدير، وعينان نجلاء لا تعرف فنّ الكلام، هي تشير وتُلمح فقط. كأن الملامح مبعثرة، والشعر قصير مفرطٌ في طوله.
أدير وجهي عن المرآة حتى لا أهشمها.. أخرج بلا اكتراث (دون نعلي القطني)، أمشي بمهل حتى دولاب الملابس الدوار لأخرج أي ثوب أمامي.
وبلا عناية، ألمُّ نصف شعري إلى الخلف.
لا شيء مهم،
الساعة السابعة، نعم وقتُ عملي بعد ساعة، عملي الذي لا يثير بي أدنى شيء.
أشجار الليمون،
أزهار النرجس،
أعشابٌ ريانة ممتدّة،
لا شيء مهم هنا.
هل سأُحبَسُ ثانية في العينين تلك؟
ما دخل هذا الخاطر والفكر وأنا أنظر إلى شوارع صاخبة (حتى في النهار) ممزوجة بعوادم السيارات، ورائحة البترول المحروق!
لكن هناك حزن مشترك، حزن قديم، حزن غائب في روح الدعابة لديه، حزنٌ لأُسٍ لوغاريتمي عشري، ومضروب بنفسه، منشأً قطعةَ أرضٍ تُعمر بعمائر داخلها غرفات وداخل الغرفات أركان...
كاتب الحزن هو، يكتب كلمات مظهرها أملٌ وداخلها رجاءاتٌ موتى. حزينٌ كالمالك الحزين، طائر وحيد بالٍ ريشه من عاصفةٍ هوجاء لا تعبأ بمثوله عاريا من أي سقف أو حماية...
نعم،
ككل يوم.. ككل يوم..
وأنا في المركبة التي تقيلني للعمل، أغلق أزرار القميص، وأعدّل الياقة، وأقلب طرفي القميص، وأربط حبال حذائي اللامع.. فعلا لا شيء مهم إطلاقا!
لا شيء مهم البتّة، إني لا آبه بعالمٍ يتحلق حولي.. والحزن يتضاعف أضعافا (لا تُعد) ليضعِفَ جسدا،
لكن الإنسان، من حسن الحظ، يتقوّى بضَعفه ثم يموت كأي إنسان؛ يموت قويًا!
كل التحليلات والأوصاف لا تهم الآن؛ لأني لا أعرف هل حقًا سأرى ذلك الكاتب الحزين حزنا مثل حزني (القديم الجديد)، في هذا اليوم الجديد القديم؟
عائشة الريس
Comments