"أصبحنا وأصبح الملك لله وحده لا شريك له، ما بالكم؟" رمق أبناءه بـوجل، ثم شد انتباهه صوت مذيع الأخبار قائلًا: "اليوم، وبعد عمل دام عشرات السنوات، وبعد محاولات كثيرة فاشلة، استطاع الإنسان أن يضع قدمه الأولى على القمر، بالعمل الدؤوب والشغف وصل الإنسان إلى القمر وسيصل إلى ما هو أبعد".
ضحكت زوجته بتهكّم: "يظنون أننا نصدق كل ما يذيعون!"
جلس على سفرة فطوره الملكية
ملكية بالتفاف أبنائه وزوجته حولها، ملكية لأن الجميع بصحة وعافية.
....
امتطى جدي مركبته المتهالكة ليذهب إلى دكانه
يزاول عمله، ويكسب قوت يومه وأولاده.
تحسّس المركبة، فقد أهلكها الدهر، ووصلت إلى سن اليأس!
ما زال يتردد في ذهنه صوت مذيع الخبر "استطاع الإنسان أن يضع...".
قطع صوت المذيع صراخ جاره على أبنائه، فقد تأخروا على المدرسة.
حرّك السيارة ليذهب إلى عمله
فلم تتحرك
إنما تحركت همة في نفسه، ودبّ في قلبه شعور لم يكن يعرفه
"أهذا ما أشار إليه المذيع؟ 'الشغف؟!"
لم يعلم جدي ما اسم ماتحرك في قلبه
كل ما كان يعرفه هو أن هذا الشعور جعله قادرًا للحظة أن يحمل المركبة فوق كتفيه بدلًا من أن تحمله.
هنا، ومذ تلك اللحظة وُلد جدي من جديد.
تغير طعم حياته، أصبح يرى سفرة بيته الملكية متواضعة إلى درجة غير محتملة
وأضحى يستمع إلى آراء رجال الحارة عند العمدة فلا يحتملها.
أدرك حينها جدي أن شيئًا ما تحرك داخله
ولا شك أنه سيقوده إلى الجنون.
قال لشريكة أفكاره التي ستتقبله كيفما كان: "ما العمل؟ أشعر أن شعورًا ما تملّكني، نحن هنا لأنّا وجدنا هنا، ولكن لمَ لا نضع قدمنا على أراضٍ أخر! لمَ نقف حيث وجدْنا أجدادنا؟!"
وضعت يدها على كتفه وقالت بحنان قلبها الذي لا ينضب: "العمل هو أن تتبع شعورك كيفما كان وحيثما وصل، أنا وأبناءك معك وليس لغيرنا أهمية"
عند تلك اللحظة فقط نضح قلب جدي بما فيه
فأخذ بيد شغفه وتوكأ على عصا التوكل
أخذ يعمل ويحرث
يزرع فيحصد مرة ويخيب أمله مرات
حتى وصل إلى ما صنعه قلبه قبل يداه وإمكانياته
صنع صاروخًا، أسماه "صاروخ الشغف"
ذهب به وعائلته
بأول رحلة، وربما الأخيرة
ذهبوا حيثما نقطن نحن هنا، ونتابع أخباركم من مرقاب ضخم لعلنا نراكم تغيرون العالم
ما زال يحبسكم سقف الطموح ووهم النجاح
انا هنا اليوم بعدما رحل جدي، أمسك بقلمي وأحاول دراسة حالكم وكيف ستتخلصون من أصغر الفيروسات جرمًا دون أن تودوا بحياة أحبابكم.
توفي جدي وما برح يردد: "ما زالت اجتماعات عمدة الحارة تتناول نفس القضايا، هم هناك لغمامة أعمتهم فلم يبصروا الأفق، وأنا هنا لأني بيد زوجتي وبصوت ذلك المذيع بدّدت تلك الغمامة".
.....
جدي غيره خبر أُذيع من أقصى الغرب
فماذا غيّر فيكم كل ما تعيشونه اليوم؟ أم أن جميع الأخبار والاستغاثات تمر من خلالكم فلا تحدث فرقا؟!
تأمل يا صديقي، قالوا أن العالم يتغير بتغير الفرد، ولكن انشغلوا بالعالم دون بناء الفرد.
تحسس نفسك، أأنت في كوكب وعالم ترضاه؟ أم أن "محلّك سر" حيث وضعك الآخرون؟!
غدير السناني
Comments