بدأ يومه في العمل، اعتاد أن يملأ يومه، كانت نفسه العاصفة لا يمكن التنبؤ بها من خلال ملامحه إلا أنها اليوم قد ازدادت شدة وخرجت على شكل كلمة قالها للموظف الذي لم يكمل ما كلفه به: "أنت فاشل، لم تفلح في شيء قط، ولن تفلح بشيء إطلاقًا، أتساءل من عينك هنا؟" .. قد أيقظت هذه العاصفة بصوتها وقوتها ضميره من غيبوبته.
عاد إلى منزله بعد يوم عصيب بدأ بتناول طعامه، فإذا باللقمة تحتبس في حلقه، كان ضميره قد أمسك بحلقه بكلتا يديه مانعًا عنه التلذذ بغدائه المفضل .. وبدأ يلقي في ذهنه كلمة فاشل .. حاول مرة أخرى واذا بالضمير هذه المرة يمسكه بقوة وإصرار أكبر، بعد محاولات عدة، سُدَّت نفسه وألقى الملعقة من بين يديه.
قرر أن يشتت ذهنه بأن يشاهد التلفاز، فإذا بضميره يُعلي صوت التلفاز عندما نطق الممثل كلمة فاشل، وأخذ يكررها في رأسه عدة مرات.. كانت تلك الكلمة في رأسه كصدى لا نهائي من تلك الكلمة فاشل فاشل فاشل ...
هدأت نفسه قائلا في الغد سأذهب وأعتذر، سأزيح تلك الأصوات من رأسي، وأعود إلى حياتي الطبيعية..
خرج من منزله متوجها إلى عمله، مر بمحل لبيع الصحف، قرأ في عنوانها كلاما لناقد يصف أحد الأفلام: "فيلم فاشل لا يستحق تلك الضجة" هنا استيقظ ضميره مرة أخرى، فإذا به يُكبّر كلمة فاشل، وكلما أمعن فيها جعلها أكبر وأكبر، التفت يمينا إلى اللوحات التي تكسو الشارع، فإذا بضميره قد ملأها بذات الكلمة هي الأخرى .. دخل عمله قاصدا ذلك الموظف، فإذا به لم يحضر، سأل شؤون الموظفين، فإذا به قد ترك العمل، استفسر عنه قالوا بأنه قد انفصل عن زوجته مؤخرا بعد ان فقدوا طفلتهم، وأنه قد وضع جل اهتمامه على العمل، وقد رأى بأنه لا جدوى من ذلك أيضاً .. لم يستطع البقاء في مكتبه كان ضميره قد تضاعف حجمه فإذا به يملأ المكان بأكمله حتى أحس بالاختناق، خرج إلى الشارع فإذا بضميره ينسخ هيئة ذلك الرجل إلى الرجل العابر أمامه والى بائع المتجر الموجود في حيه، وإلى المتسول الجالس على قارعة الطريق، كان قد استنسخها إلى نسخ لا نهائية، وكأنه وزعها مع جرائد الصباح .. كالصدى كلمته في رأسه فإذا به عندما قرر النوم في الليل غدا الصوت أعلى فأعلى، أيقظه من نومه وعندما غفى أخيرا بث تلك الكلمة في حلمه، يوما بعد يوم حتى غدا وحش ضميره أكبر منه وتغلب عليه.
حصة العمر
Comentários