top of page
شعار مداد.png

عزاء ليلة رأس السنة


31/12/1983


إيقاع الأغنية الحزينة يعلو ويهيط كما حاله في انتظار زوجته لقضاء آخر يوم من العام معها كلفتة رومانسية منه، طقطقة أصابعه وضربات نعاله على الأرض شكالت إیقاعا آخراً، وإن كانت ستسمی کما سميت العديد من الموسيقى والألحان، فهي معزوفة القلق والتوتر.


"من يستقبل العام الجديد بأغنية فراق مليئة بالحزن ؟" كان تساؤلاً من أحد العاشقين في الطاولة المجاورة، لتجيب عليه الفتاة وهي تحمل سيجارة في يدها "أنهت ليلة عزاء العام ۱۹۸۳ فسيقتل اليوم في جميع أنحاء العالم" ضحك الرجل وقال "أعتقد بأن صاحب المطعم حزين لفراقه هذا العام"، قاطع استراق السمع النادل ليتساءل عن مدة بقاء الرجل في هذه الطاولة وحيداً دون طلب فالمطعم مزدحم وهناك أناس ينتظرون تفرغ واحدة "سيدي يمكنك الانتظار في القسم المخصص للانتظار حتى يأتي الشخص الذي معك" لم يعلم ماذا يفعل فقد يتخلى عن هذه الطاولة ولا تعود إليه للأبد؛ ولكن نظرات هذين الزوجين وما يحملانه من غضب شدید جعلته يحمل معطفه من الكرسي ويذهب للانتظار.


بقيت ساعة على العام الجديد ولم تأت زوجته بعد، يخرج من المطعم متوجهاً إلى الهاتف ليتصل "مرحباً" رد صوت أنثوي بلباقة "المعذرة لوسي ولكن هل زوجتي ما زالت في المشفى؟" "أعتذر سيدي لم أرها منذ ساعتين، سأتفقد إن كانت في الداخل وأخبرها عن اتصالك" أغلق الخط وذهب ناحية كرسي عتيق يكسوه الثلج ليرمي بجسده وهو يفكر إن كانت زوجته لن تأتي كنوع من العتاب لأنه لم يتذكر عيد ميلادها قبل شهر، أم لأنه نسي ابنهما في المنزل وذهب للعمل، أو ربما لأنه طلب منها أن تأخذ إجازة في حين أنها كانت تنتظر ترقية، أم ماذا؟ جلست الأفکار تعصف في داخله دون أن يجد إجابة ، يسترجع ما جرى في يومه وإن كانت فعلا غاضية منه، جلس على الكرسي يراقب باب المطعم لعله يراها.


حل منتصف الليل والجميع يحتفل، بسعادة لا يستطيع أحد أن يخفيها، يری العاشقان يخرجان من المطعم والفتاة تتأمل الخاتم الذي يزين إصبعها، والزوجان اللذان أخذا طاولته يصرخان ويتهمان بعضهما بالخيانة "يبدو بأن الجميع ليس سعيداً" تمتم بذلك فيما هم بالنهوض وهو يتجه للمنزل، بخطى مثقلة فهو لا يرغب بملاقاة زوجته بعد أن تركته كل هذه المدة دون اعتبار لموعدهما.


ركب القطار عائدا إلى المنزل، لقد اختار مطعما بعيدا جدا عن الحي الذي يسكنه، فقد اختار مطعما في أحد الأحياء الراقية، وهو نادم الآن فلم يعلم بأنه سيعود هذا الطريق كله بمفرده.


وصل إلى الحي ليرى تجمعا كبيرا جهة منزله، يتجه راكضاً ليرى زوجته ممددة على الأرض بمعطفها الأرجواني الذي ترتديه في أسعد لحظاتها، وعلى يمينها ابنهما الصغير "أين كنت ۷۲؟؟"حاولنا البحث عنك لكننا لم نجدك.." عدد من العبارات الذي لا يسمعها دون إدراك، يحمل زوجته بين يديه ويصرخ، يرغب بأن يصل صراخه إلى قمم الجبال، إلى مكان بعيد لعل زوجته تستمع إليه فتعود، أو تشفق عليه فتربت على كتفه، أن يستمع لصوتها للمرة الأخيرة، أن تنظر إليه للمرة الأخيرة، "لقد كان هناك حريقاً بسبب الفرن، يبدو أن زوجتك كانت تخبز بعضا من الفطائر" ابتسم ابتسامة ميتة وقال "فطائر الجوز" ترك زوجته على الأرض، وترك قلبه في قبضة الحزن ليعتصره كيفما شاء، لم يرمش ولا مرة وهو يحدق فيها؛ لأنه يعلم بأنها المرة الأخيرة التي يراها أنه سيودعها للأبد.


۳۱-۱۲-۲۰۲۱


"ارفع من صوت الأغنية" قالها وهو يدخل فطائر الجوز في القرن، يأخذ هاتفه ويرفع الصوت بضجر "يا عم لماذا تهوى هذه الأغنية بداية كل عام! يجب أن تجد لك أغنية سعيدة في العام القادم وإلا فإن جميع الزبائن لن يأتوا" ابتسم وأخذ معطفاً أرجوانيا ليخرج "إنه عزاء لهذ العام، ولكل الأعوام الفائتة"


شهد عبدالعزيز



 
 

Comments


تم الأشتراك في القائمة البريدية

  • Twitter

جميع الحقوق محفوظة لمبادرة "مِدَاد" 2020

bottom of page