أقف بذهنٍ شارد في حديقة منزلي المحاط بكميةٍ هائلة من الورود،أنحني لأقتطف زهرتي المُفضلة، زهرة شهر أيلول، بينما يُعيق حركتي فُستاني المُزركش بالورد الزاهي والمتكون من عدّة طبقات ثقيلة!
أضع كتابي جانبًا لأشتم زهرتي، لسببٍ ما زهرة القسموس المفضّلة لدي في هذه الحديقه المزدحمة بأنواع الورد، أتجاهل صراخ والدتي على أختي الصُغرى ڤيكتور والتي سُميت على ملكة عصرنا، يا لها من امرأه محظوظة فقد حكمت في سِنٍ صغيره وتعيش في دلال وزهاء؛ بينما نحن في أوج معاركنا العائلية، على كلّ حال كل ذلك لا يهم طالما نحن في رخاء وسلام سياسي، فلم نعد نسمع صوت القنابل والانفجارات منذ مدة طويلة.
تهرع ڤيكتور إليّ بِزيّ نومها، قميصٌ أبيض محاطةٌ أطرافه بقماش الدانتيل، كُنا نرتدي دومًا على ذوق أمي الرَفيع، لولا جبروتها لكنّا واكبنا الموضة ولم نرتدي أزياء مزعجة كهذه حتى في المنزل، تقاطع ڤيكتور سرحاني وهي بالكاد تلقط أنفاسها، إيميليا لا تفوتي حصّة البيانو فقد بدأت الآن.
أرفع فُستاني الثقيل وأركض تحت صوت دوي الرعد ناسيةً كتابي وزهرتي التي جعلتها فاصِلًا لصفحات روايتي المفضّلة، آه بالطبع لا شيء يتغير، هذه أمي تحمل كوب "الشاهي" المزخرف بشكلٍ أنيق وترمقني بنظرتها الحادة، ألم أقل لكِ ألّا تتأخري عن حصصك مجددًا؟! أتردد ألف مرة عن إخباره أني سئِمت حصص البيانو، وأني أريد الانضمام لحصص الرقص بدلًا من ذلك، ولكنها استحالة، عائلتي تحرّم ذلك بل وتكون شديدة الصرامة في هذه الأمور.
أستمر بالمشي لغرفة البيانو بينما أشعر أن كل قطعة أثرية وكل تحفة في هذا المنزل الكلاسيكي البائس تمرقني بسخريةٍ عالية، لم يكن شَيْئًا يتغير فيّ على مر السنين؛ تسريحة شعري المنسدل على أكتافي، فساتيني المزعجة ذات الألوان الفاتحة والمنقشة، وقت شرب والدتي للشاي، وفي نفس الوقت تحديدًا؛ موقد النار المشتعل وصوت حفيفها المستفز، ووالدي يتكئ على أريكته ليشرب قهوته ويقرأ الجريدة.
عشت عصرًا شهد الأناقة منظرًا ولكنه يأبى أن يكون أسلوب حياتي مريًحا، مَليء بالصرامة والروتين المكرر، ولكنه بعد مرّ العقود والقرون ذُكر عنه أناقته غير المحببة لي إطلاقًا، فهذا عصر يكفي فيه أنه يتوجب عليّ كامرأة ناضجة أن ألزم بيتي طيلة النهار، أو أبقى في بيت جارتي لأثرثر كثيرًا، فلا مكان لي لدفع عجلة الاقتصاد أو العيش بشكلٍ حُر.
ليان محمد

Comments