top of page
شعار مداد.png

على صهوة الزمن

كان نهار يومٍ قائظ؛ ذاك الذي تلقى خلاله السيِّد رسالةً من أخته الكُبرى، تخبره بها في أحرفٍ مختزلة أن والدهما أصيب بحالةِ مرضٍ شديدة وأن عليه أن يأتي لزيارته في أقرب وقت.


تنهد السيد متثاقلًا، إنه منهكٌ من كثرةِ العمل وما أبعد المسافة، غير أن هذا والده ولا بدَّ أن يذهب لزيارته في أقرب فرصة!


ولقد قرر أن يمتطي صهوة حصانه مساء هذا اليوم نظراً لصعوبة السفر تحت عينِ الشمس كاويةِ الحرارة، فمضى ليخبر زوجته وأبناءه بأمر رحيله، ولكنه قبل وصوله لبيته صادف أحد رفاقه القُدامى وقد علم أنه قد عاد مؤخراً للبلاد، فسُرَّ به سروراً كبيراً وأقسم أن سيدعوه لتناول طعام العشاء في منزله هذه الليلة، وحقًا ذلك ما قد حصل، عدا أن الأمر لم يقتصر على رفيقه ذاك وحسب، بل شمل دائرةِ رفاقهما بوسعها، وما كان أجملها من ليلةٍ ملئت ضحكاتٍ ونفحاتٍ من الذكرى.


في اليوم الموالي، استيقظ السيد بحالةٍ مزاجيةٍ عكرة نتيجة إفراطه في الشراب، وغادر فراشه بصعوبة ثم مرَّ بزوجته التي كانت تحمل سلةً مليئةً بحبَّات الميكان إلى المطبخ مع الخادمة، فتبيَّن له أنهما قد انتهتا من جني الثمار، ونتيجةً لذلك مضى بدوره ليبدأ العمل في حقل الأرز، ثم انتقل ليقطع الأخشاب في فناء الدار، وحين عاد أبناؤه الثلاثة إلى المنزل بعد يومٍ دراسيٍّ طويل، شاركهم طعام الغداء، وبعدها انغمس في القراءةِ حتى حان وقت النوم، فإذا به يلحظ الرسالة المطوية بجوار سريره، فداهمته ذكرى والده المريض وقد غابت عن بالهِ طوال هذا اليوم، فجدد عزمه على زيارة والده في أقرب فرصةٍ سانحة ثم خلد إلى النوم.


أما عن اليوم الذي يليه، فقد كان ملائماً تماماً للسفر، إذ أن لهيب الشمس قد خبا بعد فورةِ غضبٍ امتدت لأيام..


ولكن ما حدث هو أن السيد آثر مع هذا الجوِّ البديع أن يبدأ نهاره ببيع محصول ثماره في السوق، وقد استغرقه ذلك اليومَ بجلِّه، فانقضى هذا الأخير وهو عديل الأيام السابقات!


ثم استيقظت شمسُ صباح اليوم التالي، وأيقظت معها همةً شامخة، حثَّت السيد على الانطلاق منذ زفرات الصبح الأولى، إذ لم يعُد بالإمكان أن يتأخر عن زيارة والده الحبيب أكثر من ذلك، لاسيما وأنه طريح الفراش، ومن دونما إبطاء أو أي توقفٍ للاستراحة وصل إلى وجهته قبل أن تتدثر السماء بدثارها الليلي.


ولمَّا صار أخيرًا مقابل باب بيت عائلته الخشبي ذي الحجم الضخم، أمسك بالقبضة الحديدية وأرجحها عدة مراتٍ، طارقًا، ثم هبَّ إلى الداخل فور أن فتح له الخادم، وطفق يبحث عن أخته بين ممراتِ المنزل الواسعة حتى وجدها أخيراً وقد وقفت أمام حجرةِ والدهما مُطأطَأةً رأسها، فحثَّ خطاهُ إليها وهي ما إن أحست بوجوده حتى ألقت نفسها بين ذراعيه باكية، تلكم صدره كما الطفلة، تعاتبه بصوتها الأبح "لمَ تأخرت؟ لقد رحل دون أن يراك!" فانقبض صدره انقباضاً شديداً لهول الخبر، وأحس بحُشاشته وقد التفقها سعير الندم.


ريوف المقيطيب



٤١ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل
مشاعر

مشاعر

Comments


تم الأشتراك في القائمة البريدية

  • Twitter

جميع الحقوق محفوظة لمبادرة "مِدَاد" 2020

bottom of page