غرفة لم يسبق لها أن تكون، غرفة وحيدة فريدة، بنتها ملكة إسبانية قديماً، ولِحسنْ حظي كنتُ أول منْ يدخلها.
في يومٍ وبعدَ شجارٍ حاد مع والدتّي دخلتْ بِمحضْ المصادفة إلى تلك الغرفة في ليلة تربع البدرُ فيها، غرفة تعجُ بألوانٍ جميلة وفريدة لم يسبق لي رؤيتها منْ قبلْ، لوحات توزعت على جدرانها بطريقة رائعة، كانتْ تلكَ اللوحاتْ تبدو حقيقة لدرجةٍ تجعلني أهرب خوفاً منها، أما أرضية الغرفة فكأنها صنعت من العُملات النقدية لكثرتها، تلك القطع المرمية لمعتْ لمعة تفردتْ بها وأيضا كان هنالك بعضٌ من قطع القماش المرمية وتزينتْ بنقوش مميزة وألوان جذابة، كنتْ سأخرج فزعاٌ ولكنْ أُغلقْ الباب، اقتربتْ من اللوحاتْ المعلقة على جدران الغرفة، كل لوحة كنتُ أَسمعها تنادينِي، تسْتنجدُ بي، تُريد أنْ أستخدمْ أو بالأحرى أنْ أستبدل مشاعري مع مشاعر هذه اللوحة وتبقى مشاعري سجينةٍ لها، اقتربتْ من أولِ لوحةٍ أكثر، رُسمتْ عليها امرأة بغاية الجمال رغم ملامح الحزن الجلية بها، دَنوتْ لرؤيتها أكثرْ، لم أستطعْ تمالكَ نفسي، كانتْ دموعي تنزل بحرارة على وجنتيّ، أحسست بأن أحزاني كلها زارتنِي مرةٍ واحدة، حاولتْ الابتٍعادْ ولكن أًنِينْ اللوحة يًجذُبني أكثر، سمعتُ صوتاً بعيداً قريباُ قال لي بأنَّ السعادة معه، طلبَ مني أنْ أقتربْ منه، ولكنني اعتقدتْ بأنني سُجنتْ أمام هذهِ اللوحة، لولا تِلكْ الأضواء التي توهجتْ في ذات الوقت بألوان غريبة، و فجأة!!! سكون هادئ، وأضواء باهتة، عادتْ اللوحة التي أمامي كلوحة زيتية عادية جداً، شَعرتُ بشعور غريب حينها، لم أشعر بذرة حزن بقلبي حاولتْ أنْ أتذكِر أيّ شيء أحزنني سابقاً لكن لم أجد أيّ شيء!! كأن اللوحة امتصت جميع أحزانٍي !!! ، نهضتُ منْ مكاني وسقطتْ من جيبي عملة معدنية، لمعتْ كل القطع المرمية منْ جدِيدْ، سمعتُ استغاثة اللوحات من جديد ولفتَ انتباهي بعد نظرة خاطفة إلى اللوحات بأن كل اللوحات رُسِمتْ بها ذاتْ المرأة !! ولكن في كل لوحة بدتْ المرأة بِحلىّ جديدة ومشاعر مختلفة ...
حزن، بكاء، طمأنينة، فرح، سعادة، شوقْ ولكن ما زَرع الرُّعب بِداخلي هيَ العُملات النقدية، لا أعلم كيف لم ألحظْ من البداية وجود وجوه لأشخاص مرسومة عليها والأصوات العالية كانت تأتي منها، ابتلعتُ ريقي عندما وجدت القطعة التي وضعتها عند دخولي للغرفة ظنا مني بأنها غرفة لتحقيق الأماني تَحمْل صورتي وأنا أبكي!! رميتها واقتربتْ من القطعة المعدنية التي سقطتْ مني قبل قليل وجدتها هي أيضا تحمل صورتي ولكنها مبهمة، هرعتُ إلى البابُ، طرقتْ بكلتا يديّ لأسْتنجِد ولكن لم يسمع أنيني أحدْ، جثوتْ على رُكبتي وظَننتْ بأنها النهاية ... سَقطتْ دمعتي على قطعة معدنية ووهجتْ بلونٍ قرمزيِ، أمسكته، صورة أمي نُقشتْ عليه، سَمعتُها تَنصحُني بكيفية الخروج من هذه الغرفة، ربما و لكن لم أفهم ما تقول؛ فَضجيج الغرفة ازدادَ فجأة كأنها تمنعني من الإصغاء لحديثِ والدتي، استجمعتُ قواي ووقفتْ، توَهجْ ضوء من أسفل الغرفة منعني من الرؤية جيداً، اقتربتْ دون وعيٍ مني إلى أقرب لوحة؛ ضحكتُ بأعلى صوتي، لم أستطع أنْ ابتَعد فأخرجتُ عملة معدنية من جيبي بصعوبة، وتكرر ذات الأمر السابق، تلك الألوان ولمعانْ العُملْ النقدية ذاته، وذات الإغاثة من اللوحة تكررتْ، ومن بعدها لوحة ومن ثّم عملة وراءَ عملة وراءَ عملة ، إلى أن....
........................
_كتبتْ عندَ هذا الحد ، وضعتُ تلكَ القماشة التي كتبتْ عليها بدمها في حقيبتي، وحمدتُ الله بأنّي وًجدتُ هذه القماشة ملقية وبأني دخلتْ في هذا اليوم ولم أدخل لهذه الغرفة في ليلة اكتمال القمر؛ "غرفة تغيير المشاعر" أو بالأحرى "غرفة سلب المشاعر"، أظن بأن هذه الغرفة سلبتْ كل مشاعر الفتاة ولم يتبقَ منها سوى القطع المعدنية التي تحمل صورها بحالات ومشاعر مختلفة….
وسق الأزهري

Commentaires