أخذ عصاه وبعض المتاع وخرج، سار على الدرب المؤدية إلى السوق، كان يمشي على مهله، بينما كان فتيان الحي يتسابقون ويتجاوزونه مسرعين، إلا أن هذا لم يثنهم عن إلقاء
التحية..
صاح أحدهم: " السلام عليك أيها الغريب!"
قال الآخر وهو يضحك: "يجب أن تسرع وإلا لن تتمكن من بيع بضاعتك"
لم يستطع الرد عليهم فقد ابتعدوا بالفعل، لكن الابتسامة التي تركوها على وجهه كانت فألاً حسناً..
أخذ يتأمل أبواب بيوت هذه البلدة، والطرق الضيّقة، وأغصان الرّمان المتدلية خارج الأسوار، إلى أن وصل لساحة السوق، كانت كما توقعها أن تكون، أصواتٌ متعالية، وأناسٌ كثر، بضائع كثيرة وغريبة، قوافلٌ وصلت للتو يتهافت الجميع لرؤية ما تحمله..
"سجّادٌ من بلاد فارس! لن تجدوه في كل مكان"
"فاكهةُ الشّام يا رجال! إنه حصادٌ طيّب"
"ستنفد هذه الثياب اليمنيّة إن لم تأخذ نصيبك منها!"
كان منظراً مثيراً للاهتمام، ومثيراً للقلق كذلك بالنسبة لتاجرٍ صغير وصل للبلدة بالأمس
حمل صندوقاً كان مرمياً بالقرب وفرش عليه قماشاً غريب الألوان، ووضع عليه بضاعته وأخذ ينتظر دون أن
ينبس ببنت شفه، كان الناس يمرون عليه ويبدون اندهاشهم ببضاعته دون أن يفكروا بشرائها، بينما لم يحاول هو أن يدفعهم إلى ذلك حتّى..
"ما هذا؟" قال رجلٌ تبدو عليه أمارات الثّراء
"أحجارٌ كريمة"
"أعلم ذلك، إني أشير إلى ذلك الحجر"
"إنه عقيق"
"هه! لن يحصل غِرٌّ مثلك على عقيقٍ دون سرقة"
سكت الغريب، مما جعل الرجل يصبح أكثر غضباً وأكثر مكراً كذلك
"هذا العقيق لي! لقد سرقته خلسةً مني! أمرت الجميع بالبحث عنه منذ عدة أيام، وهنا أجده!"
في هذه اللحظة ظهر رجلٌ كهل ومعه فتىً حتّمَ عليه طيشه أن يقف في وجه الثّري
"هيه أيها المدلل! ألا تخجل من نفسك؟ بالرغم من أن أباك يغدق عليك الأموال إلا أنك تصرخ هنا وهناك لتقطع على الناس أرزاقهم!"
"اسمعني يا هذا إن لم ترد أن تلبث في السجن بضع سنين، لقد سُرقت مجوهراتي ولن أقف مكتوف اليدين بينما أرى السارق الذي ظللتُ أبحث عنه يقف أمامي"
"هذا الذي يقف أمامك لم يصل للبلدة إلا بالأمس!"
وهنا تغيّرت وجوه الجميع، الغيظُ يبدو على الثري، ونشوة الانتصار تبدو على ملامح الفتى، والكهل والغريب باقين على صمتهم، بينما بدأ جمع الناس الذين تجمعوا حول الشجار بالضحك برهةٌ فقط وذهب الجميع، ولم يبقَ سوى ثلاثة..
"أنت الفتى من صباح هذا اليوم، هل فزت في السباق؟" قال الغريبُ وهو يضحك
رد الفتى بشيءٍ من التباهي "أنا أفوز دائماً، لكن دعك من هذا، لمَ لم تقل شيئاً عندما دعاكَ ذاك الرجل بالغرّ؟"
"لأن غرّاً مثله لا يستحق ردّاً مني"
قال الكهل للغريب "اسمع يا بنيّ، السكوت ليس حلاً دائماً"
ظهرت علامات الدهشة على الغريب؛ لأنه كان بالفعل يعتقد أن السكوت حل لكل شيء، ولأنه أيضاً ظنَّ بأن الكهل سيمتدحه على ما فعل
"ما الذي تقصده؟"
ردّ الكهل وقال: "ما الذي يمكن أن تفعله لتجعل الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم؟"
نهض الكهل وقام بجمع أطراف القماش غريب الألوان وأخذه بكل ما فيه، ورمى في حضن الغريب الذي لا يزال مشدوهاً حفنةً من القطع الذهبية ثم رحل مع الفتى..
سديم آل دحيم
댓글