مرت أشهرٌ عدة منذ تدهورت أوضاع حياة آدم، فقد وظيفته وتلاها منزله، يهيم الآن في شوارع المدينة المكتظة، لا عائلة ومعارف ليعتمد عليهم، واتضح له أنّ الأصدقاء لم يكونوا سوى زملاء عمل. كل يومٍ يمر يخسر فيه سبباً آخر ليبقى حياً. فقد تداعت حياته في الأشهر الماضية على نحوٍ صادمٍ ومفاجئ له، لم يكن قوياً قط ليواجه تحدياً كهذا بامتلاك روحٍ جسورة آملة بالمستقبل، حزنٌ عميق وشعورٌ متغلغل بالمرارة حشا صدره ودعاه دائماً ليوقظ وعيه وحسه لحاله المتردية لئلا يفكر إلا بها، يمّد ذاته دائماً بالإدراك الكافي لهذه الحال ليقرر أن يتخلص من حياته في اليوم الذي سيقضي عليه تماماً ولا يعود لخوفه من الموت مجالٌ للتأثير عليه. كان جالساً يومها إلى حائط مبنى أمام مقهى ذا جلساتٍ خارجية، حيث لاحظ، ثم أدرك أنّ رجلاً أسودَ اللباس يراقبه من إحدى جلسات المقهى، وأنها لم تكن المرة الأولى التي قد رآه فيها، تنبه الرجل ذو الرداء الأسود أنّ آدم لاحظه وميّزه، فوقف وتقدم إليه.
***
شهرٌ مضى منذ أنّ تبدلت حياة آدم إلى نقيض ما عاشه في الأشهر التي سبقته، حيث اطمأن أخيرًا إلى دوامها واستقرارها، أُخبر آدم أن أبيه قد عمل قبلاً على شراكة مع صديقٍ قبل أن يتوفى، وأن أرباحه قد تراكمت انتظاراً له حتى وجد هذا الهرِم الوريث المستحق لها. يعيش آدم الآن في شقة فاخرة في ناطحة سحاب وسط المدينة قد وفرها له صديق الأب الوفي، رن هاتف شقته، رفع آدمٌ السماعة
-آدم؟
-نعم أنا ، من معي؟ (بثقة وزهو)
-أهرب يا آدم، فوالدي هو من دبر كل شيء، بدءًا من ضياعك إلى اهتدائك إليه، أراد سرقة حياتي ليعيش هو، وحين أفلت منه بحث عمن يطابقه ووجدك، شيد هذه المكيدة بأكملها لخداعك وسرقة أعضائك ...
انزلقت سماعة الهاتف من يد آدم وسقطت، أمسك آدم برأسه ومشى، عاودته المرارة مصحوبة بذلٍ فضيع، أدرك بوضوح تام بأنه لم يكن سوى بيدق مغيب العقل والوعي، فتش عن قوة بداخله للهرب ولم يجد، بدلاً من ذلك وجد غضباً بلا حيلة أجّج رغبةً بالانتقام ، تحول مشيه إلى ركض متوجهاً نحو النافذة، فتحها وقفز، من الطابق الثالث عشر إلى الأرض، ولم يجد انتقاماً أسوأ من أن يفقد ذلك المسخ غايته.
سديم الراجحي
Commenti