أفي صمتك وعدم سعيك للتخلّص منه اعتيادٌ أم سذاجةٌ أم محبّةٌ أم كسل؟ هل اعتدت الحياة الرمايّة أم أحببتها؟ أم أنّك تريده أن يبقى إلى جانبك أبدًا؟
عدتُ إلى منزلي وأنا أفكّر بأسئلةٍ وجهها إليّ أحدُهم ولم أكن قد عهدتُها من قبل... مارًّا في الطريق ذاته الذي أقطعه كلّ يوم؛ تسلبني الرياح اتزاني، فأروح أترنّح بين أحضان العتمة الأبديّة ذاتها إلّا أنّها باتت صديقةً لي ترشدني في طريقي، وتودّعني عند النور المرتجف الذي يحرس باب المنزل، والذي يتخبّطُ في حلقةٍ سرمديّة من الحياة لوهلة والموت لوهلات، أو ربّما تكون الأرواح هي من يحرس منزلي فبات يرتعدُ لرؤياها.
مددت يدي إلى جيبي الأيمن لأُخرج المفتاح، فلم أجد سوى لحمي، فلقد كنت قد نسيت أن أعتاد على العصر الجديد لوضع المفتاح في جيبي الأيسر قبل أن يلحق بأخيه، ولا أتمنّى إلّا أن يعمّر أكثر من أخيه.
فتحتُ الباب وودعتُ النور المرتجف والأرواح اللامرئيّة، فما أظنّها ستلحق بي فلا يوجد نور في غرفتي ليرتجف، أو ربّما أنّها تخشى من أن تكون وضيفي الثقيل تحت سقفٍ واحد.
جلستُ وما زلت أفكّر به، لقد طاله مكوثه فعلًا، ولا أدري ماذا يحبُّ في غرفتي ذات الجدران الرطبة الصامتة، والخالية من الأرواح والجمادات... بتُّ أؤمن أن الخلود ممكنٌ؛ فكم من مرّة أقبل الموت إلى أحضانه، ولكنّه عاد أكثر حياتًا والتصاقًا وأخطر آثارًا.
ولكن لماذ لم أفكّر أنا بالتخلّص منه إطلاقًا؟ هل اعتدته فعلًا؟ أم أنّي أشفق على حاله؟ فلماذا يتطفل الفقر عليّ لولا فقره؟
لابدّ لي أن أرحل إذًا ، فإن اعتزمتُ الرحيل سيرافقني بلا شكّ؛ فلربّما بذهابه وإيّاي سيرى أناسًا أيسر منّي حالًا فيعتزلني ويلازمهم، أو أنّي سأرى أناسًا أتعس منّي حالًا، فأعود وإيّاه لتحتوينا الجدران الرطبة التي تركناها، وتحتضنني العتمة من جديد فأبوح لها بأسراري التي ستكتمها حتّى عن ظلّي.
فبعدئذٍ لن يكون الاعتياد، ولا السذاجة، ولا المحبّة، ولا الكسل بل ربّما سيكون الرضا بعينه هو سبب صمتي.
عفراء الزعبي
Comments