من دونِ سابقِ إنذار، وجدتُ نفسي ملقى في صحراء عظيمة، كثبانها الرملية لا تنتهي، نعومة رمالها أخافتني، وقفتُ بصعوبة، علا صوتي، وازداد صراخي وندائي ولكن ما من مجيب؛ استجمعتُ ما تبقى لي من فتات شجاعة، لأبحث عن مخرج من هذه الصحراء.
حرارة الشمس تكاد تقتلني، أراها متربعة في كبد السماء، وتلقي أشعتها الحارقة بغطرسة، بعد قرابة عشر دقائق أو أكثر بقليل وجدتُ واحة، من بعيد كان لونها أزرق أدخلَ الراحة على نفسي، وما إن اقتربتُ أكثر حتى وجدتُ لونها تغير لأخضرٍ قاتم، دنوتْ لأشرب منها وما إن مددت يدي حتى شعرت بلسعة مؤلمة، وبدأ الجرح الصغير الذي بيدي يؤلمني، فأدركتْ أن مائها شديد الملوحة، جلست أنتظر لربما يأتي شخصٌ عابر وينقذني، ولكن طال انتظاري من دون جدوى..
دخلت للبحيرة لأعبر من خلالها، في بداية دخولي كانت حرارة الماء معتدلة أنعشتْ ذرات جسدي، وما إن تقدمت أكثر حتى ازدادتْ الحرارة وكأن أرض البحيرة من جمر!
حاولت احتمالَ ذلك والتقدم أكثر، الغريب في الأمر أن الحرارة عادت لاعتدالها في منتصف البحيرة، انزلقت رجلي وسقطت ففزعت خوفاً من الغرق، فأنا لا أجيد السباحة ولكن ما إن انزلقتْ رجلي وسقطتْ، حتى طفى جسدي فوق سطح الماء، ويكأن هنالك كفيين تحملانني بدلال!!
اسودت السماء بغيومها السوداء، صفير الريح كان صوت المكان، وثواني فقط اغمضت عيني فيها، فوجدتُ نفسي في كوكبٍ آخر!
فتحتٌ عيني ووجدتُ نفسي على رمال من لونٍ آخر، لون أكثر قتامة من سابقته، رفعت رأسي ولم أكن أعلم ما أرى، منذ متى تكون الجبال بهذا الشكل؟! شعرتُ ببرودة بعد نسمة هواءٍ عابرة وانتبهت لثيابي ما زالت تقطر بالماء.
_ يا إلهي
صرخت بأعلى صوتْ، تلك الصخور أو الجبال ترعبني، كأن كل جبلٍ فيها عبارة عن صخور سقطت فوق بعضها بشكل عمودي، فشكلت مجموعة من تلك الجبال التي لا تشبه الجبال إلا في تكوينها!كلها تتشابه رغم اختلافها، يتهيأ لي بأن بعضها يشبه الأشباح وبعضها كأنها جمال، أما الأخريات فكل واحدة منهن ارتدت شكل شخصية تحبها.
وقفت وسرت ولكن لم أجد مخرجًا، شعرت بأني في متاهة غريبة،
ألقتْ الشمس بردائها المحمر على رؤوس الجبال، سكن المكان أكثر دقائق قليلة بعدها وقبل أن يحل الظلام، رأيت من بعيد شخصاً يشبه في حركاته محاربي النينجا، يقفز للأعلى ويقوم بحركات غريبة، لكن زيهُ اختلف، يرتدي جلباباً أزرق اللون ويرتدي عمامة لا تظهر إلا عينيه، وقبة العمامة كبيرة يخيل لي بأنه بقي يوماً كاملا ليلفها بتلك الطريقة!
اقتربت له أكثر، فسمعتْ أصوات الموسيقى، وما إن رأيت الحاضرين ورأيت تشابه لباسهم مع لباس ذاك "المحارب" حتى أيقنت بأني بين شعب "الطوارق".. كنت سأقترب أكثر ولكن.
فتحتُ عيناي ووجدتني راقداٌ على سريري، وكتاب "سحر الجنوب" بجواري.
ربما ظروفي منعتني من زيارة جنوب ليبيا الحبيب ولكن أحلامي منحتني، ما تلك البحيرة إلا بحيرة من بحيرات "قربعون" التي توجد من أمثالها ٤٤ بحيرة بعضها جف وبعضها ما زال موجودًا، أما تلك الجبال فهي الجبال التي توجد بمنطقة "مغيدت" كما تعرف بلغة "إيموهاغ" لغة الطوارق، وما إن يدخلها غير الخبير فيها حتى يضيع، أما ذاك المحارب فما هي إلا رقصة المقاتل الخاصة بفلكلور الطوارق بليبيا...
*بحيرة أم المياه: كل المعلومات المذكورة عن تغير لون بحيرات "قبرعون" واختلاف حرارتها هي معلومات صحيحة ومائها شديد الملوحة ويستخدم للعلاج.
وسق الأزهري

Comments