كان هناك طفلتان، إحداهن ذات أربعة أعوام والأُخرى تزيدُ على الأولى عامان، وكان هُناك زقاق بهِ وُضع مقعدان، جلست الكُبرى وحثت الأُخرى بابتسامة، فتبِعتها الصُغرى وأومأت بامتنان، وهُناك كان ما كان. لا أحد يعلم من فتح فيهن قفل الزمان ولكن... تهشمت جُدران ذاك الباب بسؤال إحداهُن للأُخرى، أين والِدُك الآن؟ كان الجواب بسيطًا، لا أعلم، فأنا لم أرهُ من زمان، ماذا عنك؟ أجابت الأولى، أنا أيضًا أتسائل إن كُنت جذعًا من شجرة أم أنني البذرة، فوالدي الذي اعتقدتُ أنني أعرفُه لم أعُد أذكرُ تفاصيل وجهه الآن، ساد الصمتُ لدقيقة وعادت الأولى لتسأل، انظُري لتلك الطفلة مع والدها هي تراهُ عالمها وهو يُخَيلُ له أنها فلٌ وريحان، ماذا عن والدك، كيف كان؟ أشاحت الأُخرى بعينيها للطفلة في نهاية الزقاق وأجابت، حنون. عطوف. يُغدِقُني بِكَرَمه ويُلبي لي ما أطلُبه مهما كان. حينها تساءلت الأولى بحيره، هل كانت قُبلة الجبين منه تُشعركِ بالسعادة أكثر أم ابتسامته الباعثة على الأمان؟ ،شهيق ثُم زفير، ذاك ما كان للأُخرى أن تقوم به قبل أن تُجيب، حنون. عطوف. ذاك في الواقع قلبُ أُمي، فوالدي في ذكرياتي لا يستوطِنُ أيُ مكان.
في ذاك الزقاق وعلى المقعدان فقدت الأولى عالَمًا وفقدت الأُخرى الحنان.
نورة العتيبي
