"وهل سيختار أحدهم ان يكون حزينًا بنفسه؟ لا تكوني ساذجة"
هكذا أجابني السيد كلارك، المدير التنفيذي لإحدى أكبر الشركات المهتمة بالتطور التكنولوجي والذكاء الصناعي، حين أخبرته عن فكرة مشروع جديدة أعتقد أنها ستمطر علينا أموالًا لو نجحت. قد يبدو الأمر لأحدهم جنوناً او مجرد سخافات تحدثت بها فاختراع تطبيق أو حتى إضافة ميزة للهواتف الذكية كتحديث جديد لها تمكن صاحب الهاتف أن يغير من حالته المزاجية إلى أي حالة يريدها وقت ما يريد بدت كفكرة ساذجة فعلًا لجميع من حضر ذاك الاجتماع والشكر يعود لذاك الشاب المزعج حين علق ساخرًا "آنسة لورا، فقط اجعلي الخيار الوحيد في التطبيق هو السعادة أو لا مهلاً! كوني سعيدة بمنصبك هنا ولا تضيعي أموال الشركة بأفكار كتلك" لكن لا يهم فأنا سأقوم بتلك الفكرة على أي حال ولنؤجل أمر الموافقة قليلًا.
تكونت الفكرة في رحم عقلي حين تمنت كل جوارحي في ذاك اليوم لو أنها لم تكرهك يومًا حتى تتمكن من رثائك ببعض الدموع أو القليل من الحزن على الأقل لكن هيهات أن يحن قلبي لك بل في الحقيقة كنت أخفي ابتسامة النصر والانتقام حيث استجاب القدر لدعائي اخيرًا. في ذاك اليوم حين أخبرتني أمي أنك أصبحت حبيس الأجهزة والسرير لمدة لا أحد يعلمها وأنك ستعيش في تلك الغرفة في سكون، تمنيت لو أستطيع أن أغير من مشاعري ولو قليلًا لأحزن عليك ثم فكرت بالأمر بجدية "ماذا لو استطعت؟" وبالفعل بادرت بإخبار مديري في العمل عن الفكرة. قد تبدو الفكرة مستحيلة فكيف لجهاز أن يؤثر على عواطفنا بشكل مباشر! لكن بعد ثورة الشريحة الشخصية منذ عامين التي أطلقتها شركتنا (شريحة توضع بداخل الدماغ وتتفاعل معه حيث يصبح جزء منا إلكتروني ونصبح نحن الأجهزة بذاتها) أصبح تطبيق الفكرة ممكنًا.
"الفكرة عظيمة ولدي الوقت والموارد التي أحتاجها فلم لا؟"
هكذا أخبرت نفسي حين خرجت من الاجتماع متجهةً لمكتبي عاقدةً عزمي على إنتاج هذه الفكرة خلال شهرين حيث ستعلن شركتنا منتجها الجديد لهذا العام. بدأت العمل فعلًا على الفكرة والتطورات في الموضوع كانت مذهلة وسريعة لكن عقلي كان مُجهدًا من التفكير في سبب مقنع قد يجعل المدير يوافق بكامل رضاه على إطلاق المنتج ولم أجد حلًا سوى إخباره بالسبب الذي دفعني للتفكير بهذا المنتج من الأساس بالرغم من أني لا أود اطلاعه على أمر شخصي كهذا. بعد شهر وثمان وعشرون يومًا جمعت جميع ما يتعلق بالمنتج من على مكتبي وتوجهت للمدير وأنا أردد لنفسي "لا بأس بإخباره سببي إن كان سيوافق" حتى وصلت للمكتب، طرقت الباب ثم دخلت حين سمح لي. قبل أن أتمكن من قول أي شيء سألني المدير وهو ينظر لتلفاز مكتبه حيث مسلسله المفضل يعرض مشيرًا لإحدى الشخصيات "آنسة لورا ما رأيك بإليزابيث؟ أنا أراها جميلة بصراحة لكن تمثيلها سيء فلولا وجهها الجميل لما اختاروها كالشخصية الجديدة في المسلسل، هل تتفقين معي؟" ثم نظر لي متسائلًا "صدقًا ما الذي يجعلهم يختارون شخصًا لا يجيد تقمص المشاعر لمسلسل حزين كهذا! لقد أفسدت مسلسلي المفضل" وهنا ابتسمت حين وجدت سببًا مثاليًا لإقناع المدير وأجبته عن تساؤله "ماذا عن جعل ذاك الوجه الجميل حزينًا اذًا؟" ثم وضعت جميع ما بيدي على طاولة المكتب وغصت في الشرح له عن منتجي بالتفصيل.
دخلنا أنا وأمي الغرفة التي كُتب عليها اسمك لأراك لأول مره منذ سكنت جوارحك، قبلت جبينك وجلست على الكرسي بجوار أمي وأنا أنظر للتلفاز حيث مديري يعلن عن فكرتي كمنتج العام، حينها نظرت لك وابتسمت وخاطبتك للمرة الأخيرة بداخلي "أبي لا بأس الآن، سابقًا لم أستطع تلفيق مشاعر الحب لك بسبب الذكريات المؤلمة بيننا لكن الآن أستطيع أن أقبل رأسك بحب وليس لأن أمي أخبرتني، فعلًا لا بأس الآن هون عليك فبدلًا من أن تحاول تعويضي ندمًا على ما فعلت سابقًا سأعود لمحبتك أنا كما كنت".
نورة العتيبي
للاستماع 🎧
Kommentarer