top of page
شعار مداد.png

لا تنس يا صغيري

ولمّا هجع الليل بسكونه، بعد أن قضى الناس ليلتهم بحب وسلام، نادت من هناك بصوت لا يسمعه أحد: أنا هنا ولم أرحل بعد، أنا على العهد، لا تنس يا صغيري!

يتساءل الطفل محاولاً إدراك ما حدث، ولكن دون جدوى، يجيبه الواقع بشدّة: لقد رَحَلت، ولن تعود مجدداً!

لم يستوعب وضّاح كلمات والده -الذي جاوز الستين- التي ترنُّ في أذنيه مراراً: انظر من نافذتك يا بُنيّ، إنها هناك في الركن الأيسر، قد توسّدت التراب، فلتنس ما حدث!

كانت تتقلب في مخيلته دوماً، كانت كلفة تصديق خياله أقّلَ من كلفة تصديق واقعه المرير!

كانت تحلق في السماء، تغدو وتروح، وتلقي التحية على شرفة نافذته، كان غناؤها الجميل في الصباح كفيلاً بإيقاظه بعد انصرام ليلٍ موحش!

يهمّ صباحاً في القيام، فتتهادى على مسامعه، نصائح الصباح اليومية: صلاتك، وإفطارك، ولا تنس حقيبتك التي أعددتها لك!

يستيقظ متأملاً أن يكون في حلم، يذهب إلى مدرسته، ويصطدم مجدداً بواقعه المظلم، لم تكن حقيبته ملأى بالشطائر اللذيذة وكراسة الرسم وأقلام التلوين، لم يستوعب وضّاح بعلقه الصغير ما حدث بعد، لقد كان الطير يبكي هناك عند نافذة الصف، في وقتٍ كان صراخ الأطفال يملأ المكان!

يعود إلى المنزل، دون أن تستقبله هتافات الفرح، وقُبَل الحنان التي كانت تترك آثاراً مرسومة على خدّه، وعبارات الثناء والاطراء التي تصنع يومه ولياليه، ومن يسمع يا ترى القصص التي اعتاد أن يرويها بحماس ولهفة؟

يعود إلى غرفته مجدداً، ويحكي قصته بينما يتفاعل الطير بالتغريد عند النافذة مستمعاً بحماس وشغف!

كانت معه في كل مكانٍ وزمان، تقلق لتعبه، وتفزع لمعاناته، وتئِن حزناً لمرضه، وتتقطع ألماً لخوفه، لقد كانت تتقن التغريد!

وفي صباح ذلك اليوم الذي قررت فيه ذاكرته النسيان، يفتح أبوه باب الغرفة، ولا أحد هناك!

في ذلك الصباح غادر ذلك الطير ولم يعد، لقد أخذ شيئاً ثميناً إلى عُشّه، هناك حيث ترقد الأم بجوار ابنها الصغير!



الليث بن تميم

١٠ مشاهدات

أحدث منشورات

عرض الكل

مشاعر

Comments


bottom of page