ييتلقى السكرتير أحمد من مديره أوامر غير مسببة، بأسلوب حاد وجاف، فيغضب هنيهةً ويهمّ بالرد بأسلوب مماثل ليقِفَ هذا المتسلّط عند حدّه، ثم تمثل في مخيّلته بنته الصغيرة في المدرسة وطلبات معلماتها التي لا تنتهي، وولده الذي يدرس في المعهد التقني ومصروفه الشهريّ، وقرضَ المسكن الذي لن يسدد إلا بعد سنوات، وفواتيرَ المياه والكهرباء التي لا تعرف التأخر ... فيسكت على مضض، ويغالب شعوره بابتسامة ترضي مديره، وتؤلم قلبه.
يتأمل من حوله، لماذا يخصّني مديري بهذا الجفاف؟ ألا يرى المشيب قد وخطَ في جانبيّ؟ لئن لم ينتهِ لأشكونَّه إلى من فوقه، لا! قد فعلتُ فألمحَ لي بأن المكافأة السنوية ليست إلزامية، وأخاف أن يصرّح هذه المرة! إذن سأترك الوظيفة، أليست عبودية هذا القرن؟ ولكن لا لا ما الذي أفكر به!
**
يعود أحمد إلى شقته في حي الدخل المحدود، تستقبله زوجُه وعياله، فاطمة وخالد، يسألهم عن يومهم فيجيبون بابتسامة تنسيه شقاءَ يومه للحظات ثم يهجم عليه القلق على شكل سؤال مستقبلهم، تسأله ابنته فاطمة: بابا اقرأ لي هذا الدرس في كتاب اللغة الإنجليزية، ينظر إلى الكتاب وتسبقه دمعةٌ لم يملك لها دفعًا، ويقوم إلى غرفته صامتًا، فتتبعه زوجه، وتسأل فاطمة أخاها: "لمَ لَمْ يشرح لي "بابا" الدرس؟" فقال لها: "اسكتي ويحك، لو درسَ "بابا" لكنتِ الآن تسألين معلمتك الخاصة مثلما تفعل زميلتك هدى".
عبدالرحمن الشنقيطي
Comments