لماذا لا يراني الآخرون؟ سؤال وضعني حبيس تلك القصة، أنا بين تلك العائلة، أشاطرهم همومهم وأراهم يكبرون أمامي، كل حياتي تتمحور حولهم وكأني قد أُمرت بأن أراقبهم إلى أن يشاء الله، لا أعلم ما الذين جاء بي إلى هنا، ولكن لا يهم، فما يشغلني ويقلق سريرتي فكرة العدمية التي أعيش فيها، أتوق لأن أتحدث ويرد علي أحدهم، أن أعطس فيشمّتوني، أن أصرخ من شدة الألم وأراهم حولي يواسوني، أن أبدي استيائي عندما أرى الأطفال يتشاجرون، وأن أخبرهم بأنهم سند وعون لبعضهم، وأنهم سيواجهون قسوة الحياة سويًا، وأن وجود الفرد منهم يعني نجاة الفرد الآخر، وأن وأن وأن......
من سيخلصني؟ من سيأخذ بيدي للوجود؟ من سيفك أسري؟ من سيكشف الستار عني؟ أهم تلك العائلة التي لا تقوى على أن تحل أتفه المشاكل! كيف سيساعدوني وأنا من عالم آخر؟ لا بد أن يحين اليوم الذي تنتهي فيه قصتي خلف الكواليس وأظهر أمام الشاشة، وفي ذات يوم خطرت في بالي فكرة جعلتني أنازع الشر والخير بداخلي، وفي اليوم نفسه رأيت ابنهم الأكبر يتسلسل إلى غرفة والديه خلسة ليسرق المال، اشتعلت غضبًا فالأم المسكينة كانت دائمًا ما تشتكي من ضياع أموالها، واتهمها الابن بأنها مصابة بالخرف وأنها قد بلغت من العمر ما يجعلها تنسى أبسط الأمور، ياله من ابن عاق لا يستحق نعمة الوجود.
كانت الفكرة تتملكني، وفي كل يوم أرى فيه ذلك الابن أشعر بأني أريد أن أنتزع منه الوجود وأن أعاقبه على عقوقه، إلى أن جاء اليوم الذي أعددت فيه نفسي لأن أكون مرئيًا، ووقفت أمام الابن، حدقت في عينيه مطولاً، ونويت أن أكون في ذلك الجسد، وما هي إلا لحظات وقد أصبحت الابن الأكبر، والآن حان الوقت لأن تعود جميع الأمور إلى نصابها.
الجوهرة المطيري
Comments