top of page
شعار مداد.png

لُقيا

تاريخ التحديث: ١١ مايو ٢٠٢٣

غلفت قلبي خشية أن يرتطم بمار فيصيبه ضرر، خدش من طرف ورقة يحملها، أو أداة صلبة تضرّه. غلفته عن الجميع، بتغليف أسود ذا نقوش حمراء، وحملته معي داخل صدري لكل مكان دون أن يخرج من غلافه المتين.


ولم يكن اليوم استثناءً، فهناك مجموعة كبيرة علي لقاؤها، علي أن آخذ الحذر والحيطة كما جرت العادة.. نبض قلبي يزداد قوة يكاد أن يمزق الغلاف الذي يحيطه، أحكم عليه كي لا يتسلل من بين أي فجوة صغيرة، ظنًا مني بأني سأحميه، جعلته حبيسًا عن ملامسة مشاعر العالم، وحيدًا في غلافه الخاص.


أسير بخطى المتلهف المرتاب، والتوتر ظاهر على قدميّ، وأفكار مختلفة تجول في رأسي؛ "أنتِ تعلمين من هم، ولكن لا شيء يضمن بأنهم هم!!" تلك اللهفة للقاء شخص لم أره في الواقع ولو لمرة واحدة، أعرف عنه صوته، مشاعره، كتاباته، ما يفضل وما يكره، قصة مضت في طفولته.. كنت أراهم من خلال تلك الكلمات الرقيقة، عامٌ كامل مضى وكان الأربعون شخصًا أناس افتراضيون.


رأيت تلك المجموعة الصغيرة المكونة من أربعة فتيات، يحملن كعكًا وما لذ من الحلوى، دون تردد أتوجه لأسأل "أنتن مداد؟" لتجذبني تلك الابتسامات الخجولة، والمتلهفة لمعرفة من أنا! يعرف الجميع بنفسه، ملامح الفرح والحماس تعلو تلك الملامح التي نظرت إليها عن كثب لأحفظها في عقلي.


أهم بدفعهم للانطلاق نحو الضفة الأخرى من الصحراء التي تسكن بين المباني التي تحيط بنا، يتشارك بعضنا داخل مظلة لتحجب أشعة الشمس عنه، والآخر يتشارك أسفل غطاء مع الآخر، نسير محاذاة مبنى تلوى الآخر نستقبل منه أولئك اللاتي ننتظرهن بكل حب، نسير معًا لأول مرة وخطانا توازي بعضها وكأنما اعتادت على السير في ذات الطريق، شعرنا بالألفة دون أن نحاول.


وصلنا وأخيرًا إلى ذلك المبنى الضخم، نتوجه إلى بوابة صغيرة في زاويته اليمنى لتستقبلنا همسات الهواء الباردة من مراوح التكييف وكأنها تخبرنا بأننا فعلنا حسنًا في الوصول، العديد من الأوجه التي لا آلفها، وللحظة بدأت أشك بوجودي في المكان الخاطئ، حتى لمحت تلك الخصلات الزرقاء فتحركت خطاي من تلقاء نفسها ووضعت ما أحمله بين يدي على الأرض مع باقي تلك الأصناف الشهية التي جلبها الجميع معه.


ارتجاف الحماس والتوتر الذي أشعر به يداعب قلبي ومكان ما داخل بطني، كيف أصبح التوتر الذي لا اطيقه حلوًا رقيقًا على جسدي، أبدأ بالتعرف على كل تلك الأوجه اللطيفة، كيف لكل تلك الأسماء أن يحملها هذا الكم الهائل من اللطف والجمال، والحب!


البعض يحمل صوتًا مميزًا يعرّفه عن نفسه دون أن يذكر اسمه، كان شعورًا لذيذًا، أن تعرف أحدهم من صوته، أو ممّن جلس بجانبه، تعرف بأنهما مرتبطان دائمًا وأنهما لابد أن يجلسا بجانب بعضهما، أن تعرف أناسًا لم ترهم ويكون ذلك الإحساس الرقيق عنهم واقعًا كما كان بداخلك.


لسبب ما شعرت بأن هذه ليست المرة الأولى لي هنا بين كل تلك الأرواح التي سبق أن سكنت وسطها، شعرت بأن روحي في أمان بينهم، وقلبي الذي شددت على غلافه بدأ يرتخي، شعرت بيد الجميع تصل إلى قلبي لتنزع شيئًا من ذلك الغلاف وتشعره بالأمان.


شعرت برغبتي باحتضان الجميع وإبقائهم بين ذراعي، بأن أجعلهم بداخلي للأبد، وأن أخزّن ذلك الشعور في ذاكرتي كي آخذ قضمة منه كلمّا حنّ القلب.


شهد بن خريّف







١١٥ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل
مشاعر

مشاعر

Comentarios


تم الأشتراك في القائمة البريدية

  • Twitter

جميع الحقوق محفوظة لمبادرة "مِدَاد" 2020

bottom of page