أسألُ نفسي قبلَ أن يبدأ الشهر "ما حالُ قلبك؟" لإدراكي التام أن القلوب أساسُ الأعمال، وقبل كلِّ شيء تكونُ النيات، وأخشى كلُّ ما أخشى أن يسقط عملٌ كاملٌ بنيةٍ يدخلها سوء، فأُخلص النية أولًا، وأصفي الذهن، وأُسامح كل من أساء، وأدعو الله بالمغفرة، والرحمة، والعتق.
ولكي أساعد نفسي في هذا؛ أُكثر من الودائع عند الله، أي أنني أعملُ أعمالًا لا يعلمها إلا هو، وأتركها سرًا بيننا، بعضها يكون من أصغرِ العبادات وأسهلها، وبعد ذلك تبدأ قائمة الدعوات، فكثيرًا ما ننسى ماذا نريد، فتضيع لذةُ الدعاء والتضرع بما نحتاج، فبما أننا نكتب؛ فلنكتب دعواتنا التي نريد، ولنفصح بأسرارنا لعالمِ الأسرار، ولنقل كلَّ حاجاتنا، وليكن أولها الجنة..
قلوبنا مُستودعُ كلُّ شيء، تُقلَّب كل يوم، فلا ندري إن بتنا مؤمنين هل نقوم كذلك؟ الخيرُ أننا سنبيتُ لنُدرك خير الشهورِ فنُدرك فرصة ثلاثين يومًا من التقرب إلى الله، فمن اللحظةِ التي نرى الهِلال في اليومِ الأخير من شهرِ شعبان، يثبتُ دخول خيرِ الشهور "رمضان" وهو الوقتُ العلاجي لقلوبنا، أساسُ عباداتنا، ففي هذا الشهرِ بالذات يكون الدين السمة الظاهرة بالإمساك عن الطعام، والصلاة. ويكونُ السمة الباطنة أيضًا، والتي تبدأ بنيةِ الصوم، واستصلاحِ القلب، ويُعتبر صومُ رمضان من العبادات التي ترتبط كثيرًا مع العادات لدينا..
وإذ تُعرفُ الأيام باختلافِ فصولها، وأجوائها، يُعرف أنه تسهل أشياء وتصعب أخرى بين الشهورِ تبعًا لذلك، فقد كان الصومُ في الرمضِ من الأيام، أي الأيام الحارة، وهنا كان التحدي في تعلم الصبر، وتربيةِ النفس. ومثلما عُرفت الأيام والفصول، عرُفت كذلك الأوقات، فكانت هناك عباداتٌ خُصَّت لليل والنهار كفرصة مفتوحة للجميع، فمن فاته النهار، يسعى ليلهُ ويسارع في يومه التالي.
يُروى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين)) (رواه مسلم). تُفتح أبوابُ الجنة وتُشرع، وتُغلقُ أبواب النار أليسَ هذا حافزًا للمسارعة؟ ألا يكفيني أنَّ عدوَّ الإنسانِ يُصفد؟
خلال العامِ تملؤنا الذنوب، ونحتاجُ إلى فرصةِ تطهير، وها هي اقتربت الفرصة، وقد تساءلتُ يومًا بأيِّ الأعمال أملأُ اليوم غير قراءة القرآن، والصلاةِ والصوم؟ فوجدتُ أن قائمة من الأعمال المُساعدة للآخرين، والتحلي بالخُلق الحسن، ومجاهدة النفس في الطاعة، والذِّكر والتدبر مما يضيفُ للعباداتِ والعادات، فكانوا ضِمن استعداداتي.
من فضائل شهرِ رمضان أنه كفارةٌ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر)) (رواه البخاري ومسلم).
والكبائر هي الذنوب التي توعد الله بها بغضب، أو لعن، أو عذاب مثل السحر، أو القتل، أو الرياء... ومن فضائل الشهرِ الكريم غُفران الذنوب فقد قال صلّى الله عليه وسلم ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) (رواه البخاري ومسلم).
وفي رمضان ليلة خيرٌ من ألفِ شهر، لا نعلمها، وننوي عبادة الله في كلِّ أيامها كي نصيبها ونلقاها لعلنا نحظى، أليست هذه فرصة قلبك؟!
الشيماء آل فائع
للاستماع: ايفون
Comments