لم أدرك متى رحلت، لم أشعر برحيلها حتى. لقد حدث كل شيء سريعا جدا لدرجة تجاهلي له، هل كنت متوقعة حدوث ذلك من قبل؟ أظن ذلك. لطالما كنت مستعدة لذلك اليوم إن أتى، لكنه أتى على غفلة مني وسلبها ثم رحل دون أن يتاح لي مجال لأدرك أي شيء.
ظننت أنني أستطيع التعايش مع الأمر، هو بسيط جدا في نظري، أن تختفي كل الأمور التي لونت بها حياتي وشددت عليها أناملي، لربما كان سهلا في البداية أن أتقبل كل ذلك، لم؟ لأنني كنت في طور الصدمة.
أستفيق أخيرا لأدرك أن كل ما لمعت عيناي حبا من أجله قد اختفى، رافقني سنين طويلة بل ولد معي بذات اليوم، لامس أصابع يدي قبل أن تفعل أمي، انتظرني طويلا حتى وجدته لم يكن طويلا جدا لكن بالنسبة له أرهقه الانتظار لقد كانت قرابة السبع سنوات وها أنا بعدها أشابك يدي في يده ونسير سويا، وصلنا إلى النهاية ثم توقفنا، أردت أن أستدير لكنه سحب يدي إلى ما بعد النهاية، أراد مني أن أصل إلى أبعد من حدود العقل، فبات الجنون رفيق دربنا الثالث، توقفنا قليلا وقد كنا نضحك معا ثم نظر لي وهو صامت يبتسم بهدوء على غير عادته، ترك يدي فاختفى وتلك كانت القشة التي قسمت ظهر البعير .
أين جنوننا الذي رافقنا؟ اين أصابعه التي زينت يدي سابقا؟ أين النهاية التي تجاوزناها سويا؟ وأين رحل وتركني وسط الطريق بحاجته؟
نظرت لكل الاتجاهات وسرت عبر المسارات لم أجد له أثرا، نظرت للشعلة بيدي أردت أن أنفخها فهي أصبحت خافتة جدا، إنها حتى لا تضيء طريقي بل تزيدني معاناة.
حطت عيناي على شعلتي الصغيرة فوجدتها ترقص بكل الاتجاهات لتعيش هي تشبهني فقد بحثت عنه في كل مكان لأجده، هي تمثل حالتي الصعبة لذلك أبقيت عليها، على الأقل رفيق في الطريق خير من الوحدة.
تمر ذكرياتنا كالفيلم أمامي وسؤال واحد يتكرر في ذهني هل حقا انتهى كل شيء؟ ولطالما أخبرني أنه موجود حولي، دائما يجب علي أن أركز لأجده
لكنني كنت قد يئست من إيجاده حقا ورفعت راية الاستسلام البيضاء وحالما أسقطت شعلتي واستدرت وجدته يلاحقني كظلي لكنه بدا خائبا جدا لقد خيبت ظنه فيٌ، أراد اختباري ففشلت.
عاد إلي لكنه لم يعد كما كان، هو فقط مازال محطما، لقد كان إلهامي صديقي الوحيد لكنني خذلته ولم يخذلني، فقدته فوجدني وحينما عاد لي كنت أنا من غيرته.

صالحة القحطاني
Comments