طالما وقفت هُناك عاجزًا، أصرخ بشدّه علّ أحدهم يسمعني، مرحبًَا هُناك، هل تراني؟ وقفت كمُنتظر في طريقٍ مقطوعة، يعلم أن فرصة نجاته تكاد تكون معدومة، كاستحالة أن يأتي أحد ويتوقف لمساعدته، أأنتظر ببؤس حتى ألقى حتفي؟ أو قد يكون في هذا العالم اُناس من جنسي، أُناس من نوعي، يستطيعون رؤيتي وسماعي؟! علّ أحدهم يحتضنني ليجمع هذا الشتات في جوفي.
أقف كما كُنت معتادًا على الوقوف، أُشاهد بصمت، عينان حمراوان، قدمَان تكاد تزلّ من كِثرة الوقوف، أراقب هؤلاء الأشخاص لآخر مرة كَفرد منهم، فأنا عازِم على الرحيل، عازم على مغادرة كل شَيء لا يُمكن أن يكون لي، كانت هذه من أقسى الليالي وأشدها برودةً وصقيعاً.
أهم بالمغادرة بقدمين تكاد تحملني، بعقلٍ شارد وقلبٍ محرج، أتوق لشعورٍ لم أعشه قط، أن أكون فردًا في عائلة، أن تحتضنني والدتي، وأن ألعب مع إخوتي، أضحك مع أحدهم وأُزعج الآخر، وحين يكون أحدنا حزين، نقف جميعًا عند عتبة بابه ونُلقي نكاتًا سخيفة لإضحاكه، لكن لم يحدث أيًا من هذا، وقد لا يحدث.
أضعت عمرًا مُنتظرًا للحظه أشعر فيها أني مرئي، أن أشعر وكأني في دياري أخيرًا وبين أُناس هم منّي وانتمائي يعود لهم، يا لسُخف المشاعر، جعلتني أبدو أحمقًا مُتناسيا ماهيته، وكأنني الضفدع الذي يعتقد بأنه الأمير الوسيم.
ليان عبدالمحسن
Comments