حاولت جاهدة أن أفهم المشاعر، أو أن أتحكم بها و لو قليلا، محاولاتي بائسة. حتى وعدت نفسي بأن لا أعطي مجالا للمشاعر بالظهور أو الإدارة إلا بعد إحساسي بها بربع ساعة على الأقل.
وجدتني عند الغضب أو السرور أو الحياء أو القهر، أذهب لغرفة خالية أفكر فيها بماهية رد فعلي، و مسبباته. حتى أجدني بعد ربع ساعة أصبحت بشعور آخر مختلف، فأعود للموقف بشخصية أخرى. و هذا فعلا زادني حيرة في ماهية المشاعر! قبل 7 أشهر، كنت جاهزة لتلقيب نفسي كخرّيجة، بعد 4 سنوات من الكفاح في مرحلة البكالوريوس. ذهبت لمكتب الموظف المعني بتسليم وثائق التخرج، وأنا بكامل أناقتي. بالصدفة وجدت الدكتور المشرف على تدريسي إحدى أصعب المواد في مرحلة البكالوريوس التي درستها، جالساً بجانب مكتب الموظف. بعد إلقاء السلام سألت الموظف تسليمي وثيقتي مدلية له كل معلوماتي المطلوبة، لأتفاجأ بإخباره لي:"ابنتي رغد، يوجد لدي تعليمات بعدم تسليمك وثيقتك، وهذا راجع لرغبة هذا الأستاذ الجالس هنا بإلحاقك لبرنامج التدريب الذي ترتبه الجامعة بتعاون مع جامعة أوكسفورد لمدة 6 أشهر، وبعد ذلك أسلّم لكِ وثيقتك" .
ذهلت ! ماذا يعني إلحاقي ببرنامج اختياري دون موافقتي؟ وحرماني من وثيقتي التي بنيت على أساس استلامها بهذا الوقت تحديداً خططي التي لطالما فكرت بها ! شعرت برغبة بالصراخ، و التأنيب لهذا الدكتور الجالس أمامي بكل ثقة و طغيان كما أحسست ! ولكني تذكرت وعدي، فخرجت بسرعة بصمت و دخلت لإحدى المكاتب الفارغة. آثرت عدم التفكير بالأمر حتى أتأمل تفاصيل هذا المكتب أولا، وأفكر بتغيير أماكن الأشياء لأغير من شكل المكتب، و عندما أتخيل المكتب بشكلٍ آخر تماماً، سوف أعود للتفكير بشأن الموقف الذي استفزني. و فعلا، تخيلت المكتب بتصميم جديد بناء على الأدوات التي توجد فيه، ثم عدت لأفكر بالموضوع.

هذا الدكتور أو في الواقع البروفيسور اختارني من بين 300 طالب و طالبة أُخر في الدفعة لألتحق ببرنامج مدفوع التكاليف و بشهادة قوية، استغربت حقاً، ولكني لا زلت متخذة موقف تجاه إقحامه لي في هذا البرنامج دون إذن مني. اتخذت قرار أن أسأله عن السبب، ثم أحدد ردة فعلي. عدت لمكتب الموظف و الدكتور لا زال موجوداً هناك، سألته بنبرة متزنة: لماذا فعلت ذلك دون اختياري؟ أجابني: "كان المسؤولون عن البرنامج قد داهموني في لحظة لأعطيهم أسماء الأجدر بهذه الفرصة، دون اعطائي الوقت لمناقشة الطلبة. شعرت بتوتر و لكني اضطررت أن أعطي الفرصة لأحد يستحق على أن لا أعطي الفرصة لأحد أبداً ! فخطرتِ ببالي كونك أحد أذكى الطلبة الذين مرّوا علي. أنا آسف يا ساره و لكني لم أستطع إضاعة هذه الفرصة عليك!" . قدّرت هذا الدكتور! الذي راقب الطلبة طوال فترة تدريسه ليقدّر قدرات كل واحد منهم، والذي اختارني في الأخير حرصاً منه على مساعدتي لإبراز هذه القدرات. شكرته بكل ما استطعت، سعدت جداً بإحساسي بأنني مميزة. وعندما خرجت فكرت: ماذا لو أنني استجبت لرغبتي الأولى؟ الصراخ والتأنيب، لأخسر مشاعر الدكتور الطيبة تجاهي و أخسر هذي الفرصة النادرة ؟ الآن و بعد 7 شهور من ذلك الموقف، أنهيت هذا البرنامج بتفوق، لأعود بفرصة وظيفية أروع مما كنت أخطط له طوال عمري. لا أعلم لماذا نمتلك مشاعر، أو بالأصح لا أجزم، وأنا فعلا لا أفهمها. ولكني أعلم أنها لب الحياة، وأني منذ طفولتي وأنا تحركني المشاعر، وحتى الآن لا أستطيع الانفصال عنها أو التحكم بها. أصحابي وعملي وهواياتي وكل ما يمكنني التعامل معه، رهين مشاعري. مجرد ما أن كتبت على ورقة كمية الناس الذين تعرفت عليهم ثم تبدلت معهم ذهلت !كيف لي أن أتعامل مع هذا كله بدون إدراك! إنها المشاعر !
رغد النغيمشي
Kommentare