top of page
شعار مداد.png

مقهى الأحلام

راسلتني ميليسا تُبلغني أن ولله الحمد قد حققت هدفها بافتتاح مقهى يُطل على البحر فاستعجلت نفسي لأذهب فأبارك لها وأكون من أول الحاضرين وخصيصاً أني شهدت ولادة الفكرة ونشأتها فشعرت بغرور شخص يعرف تفاصيل المقهى وصاحبته.


تجهزت في صباح اليوم التالي فارتديت بدلة سوداء مع ربطة عنقٍ زرقاء بلون عينيها، وأكملت تأنُقي بساعة أهدتني إياها في عيد ميلادي السابق ولأن الحفلة كانت في الصباح فرششتُ عطراً خفيفاً برائحة الصباح وأخيراً ارتديتُ نظاراتي الشمسية لأبدو أكثر تألُقاً، اتصلتُ على ميليسا قبل خروجي لعلها احتاجت شيئاً فأُحضره لها بطريقي ولكن من دون جدوى فاعتذرت لنفسي بأنها مشغولة بالتحضيرات فلم تنتبه.


وصلتُ إلى المكان ولم تكن تلك زيارتي الأولى ولكن مع التغيُرات التي طرأت عليه كان وقع المكان على قلبي وكأنه جديدٌ كُلياً، وصلتُ وقد وصل قبلي الكثير من الأشخاص فانزعجت لكوني أردتُ أن أتفرد بصديقتي قليلاً لأبارك لها ما حققت، ولا أُخفيكم أني أحببتُ أن أكون بجانبها عندما يهنؤوها الناس فتبادر بقول "دعوني أُعرفكم على صديق طفولتي، لقد كان شاهِداً على هذا المكان من البذرة حتى الثمرة" لكن بالطبع لم يكن هذا بإنجاز فأنا لم يكن بوسعي إلا أن أسمع صدى أحلامها وأهدافها فتشحنني بدون علمها بحماس يحملُني على أن أنكب على أعمالي ومهامي لأنجز شيئاً مثلها، لكن عبثاً فبسبب زحمة الطريق العام لم أستطع نيل الفرصة فانعكس ذلك على وجهي وجسدي فلم أعد أشعر بالراحة حتى بعد كُل ذلك التأهب.


بحثت عن صديقتي في المكان وأنا أسمع عِبارات تصف المكان بذهول جميل "يا لهُ من مكان جميل، لقد أحببتُ كيف أن الواجهة البحرية أصبحت لوحةً للمقهى" " أشعة الشمس الدافئة المُنعكسة من الزجاج تُعطي انطباعاً عن الدفء" " يا لها من حلوياتٍ لذيذة، هل يُمكِنُنا أن نأخُذَ بعضها إلى المنزل؟ اُريد أن أتناولها كُل يوم".


لمحتها بالقرب من النافذة المُطلةِ على البحر تتحدث مع الجميع كما اعتادت براحة لطيفة تُشعرك بأنها تعرفك منذ زمن، فكانت تُصغي باهتمام بالغ يجعلك تتحدث بانسيابية فتكشِفُ خباياك من غير وعي منك، كانت عيناها تُريكَ الجمال في كل زاوية وبحركة يديها تستطيع تغيير الأشياء وإعادة تشكيلِها.


ألقيتُ عليها التحية..

-أهلاً ميليسا

فأجابتني بحرارتها المُعتادة وصوتها اللطيف

-يا أهلاً ويا مرحباً بصديق الطفولة، كيف حالك؟ لقد انتظرتُك منذُ الصباح

-نعم لقد خرجتُ مُبكِراً لكني لم أستطع الإفلات من زحام الطريق العام…

خيلَ لي أنى تكلمنا وكأننا لم نلتقِ منذُ أعوام لكن في الحقيقة فإن صفاء هواء البحر ودفء أشعة الشمس تجعل الجميع سعيداً في التحدث.


كانت صديقتي بطلة قصتي وقصتها، فتركتُها تلعب دور البطلة الشُجاعة المغوارة التي ما تلبث أن تنتهي من مُغامرة شيقة حتا تخوض مُغامرةً أخرى، ولقد كانت كذلك بالفعل فكلما انتهت من شيء ما أعادت تدويره لشيء آخر مُختلف لينتُجَ عنه شيء أشد اختلافاً، ولم تكن تتوقف أبداً حتى تسترد أنفاسها فلطالما اعتبرت أن لأنفاسها عدداً مُحدداً ومع كُل شهيق وزفير يتقلص العدد حتى ينتهي فتختنق.


كانت تطمع بالحجر فتشتهي الغيوم وما تلبث أن تنال القمر، لم يكن لها نهجٌ مُعين تستطيع من خلاله أن تُمسكها وكأنها مع كُل إشراقة شمس وغروبها تتوق لشيء أكبر من الذي نالته في الأمس. وكأن لم يكن لها غايةٌ من العيش سوى أن تقوم بتجريب الأشياء وتغيرها بما يُناسبها في سبيل إيجاد نفسها. وكيف لشخص مثلُها ألا يجد نفسه بعد كُل هذا؟

لم أُفارقها طوال الحفل أٌراقب حركاتها بدءاً من عينيها الى تناغُم أصابعها، فريدةً هي تجذبك رغماً عنك لتُرافقها سعيداً بمجرد وجودها، ولعلها تعلم ذلك فتُسارع دائماً بالهرب حتى لا تتعلق بالأشياء من حولها فتخسرها بمُجرد أن تحصل عليها. نظرتُ إليها تُشاهد إعلان نهاية اليوم فرأيتُ في انعكاس عينيها غروب الشمس وشروق فجرٍ جديد.

-إلى أين الوجهة؟ سألتُها بنبرة مُشتاق قبل الرحيل

-إلى البداية حيث هُناك أعيش.


علياء النشواتي



 
 

Comments


تم الأشتراك في القائمة البريدية

  • Twitter

جميع الحقوق محفوظة لمبادرة "مِدَاد" 2020

bottom of page