لم نكن نتوانى أنا وإخوتي عن شراءِ لعبةٍ جديدة من المكعبات في كلِّ مرة نذهب فيها إلى مكانٍ تُباع فيه الألعاب، والمزيد من المكعبات يعني المزيد من الأبنية والأشكال اللامحدودة.. وفي كل مرةٍ نكون شكلًا يختلف عن شكلِ الأمس، ومن بين الأشكال قطع من حروف كانت منثورةٌ بينها، إذ أن الحروف كانت ألعابًا، تضعها أمي فوق الأبنيةِ التي نحب، ولم يكن من شيءٍ يحد تركيب الأشكال، بيتُ الحاء، وبناءٌ للجيم، وقد يكون الميم ضيفًا عليهم، وعندما كبرنا وبدأنا الدراسة الفعلية، لم نكن نستطيع تصديق أن أحدًا يمكن أن يفرض علينا بناء الكلمة، إذ أن الحروف متفرقة، مثل المكعبات تمامًا، إذًا فالتكوين علينا.. ونحن الأحق بتسميتها وذلك بتركيب كلمةٍ من حروفنا تليق بها.
ولكننا فهمنا مؤخرًا أنه صار لزامًا أن نحفظ، فقررنا كتابةَ كل شيءٍ باسمه، إذ كيف ندعي أن النافذة نافذة وهو غير مكتوب عليها؟ ومن يملك الحق بتسمية الثلاجة بهذا الاسم وهي لم تسمِّ نفسها، والأدهى أنها ثلاجتنا، فكتبنا الأسماء عليها، ودونما قناعة كاملة..
ولما رفضت أمي الفعل الشقي لأول مرة، لجأنا لسؤالهم، من الذي اخترع اللغة إذًا؟
تقول أمي أن الله علمها للإنسان، ويضيف أبي أن أي مجموعةٍ من الناس يستطيعون تأليف لغة مناسبة فيما بينهم للتواصل!
فأجرب الرسم، سماءٌ تنزل منها حروف، فتمطر السماءُ ماءً بلا حروف، ثم نجتمع بدورنا -أخيرًا- لتكوين اللغةِ التي تخصنا.. مؤتمر يتكون من أربعة أطفال يقررون تكوين كلمة جديدة لكل كلمة لا تعجبنا، وتكتبها أختي، عددٌ لا نهائي من الكلمات، بعيدًا عن كلمات المدرسة، والبيت المنطوقة والتي لا تشبه الحروف، ومجتمع يحاول تعلمها وفهمها يتمثل في أمي وأبي.
وبعد أن كبرنا صرنا أقل اعتراضًا، نقرأُ القرآن لنفهم، وعرفنا أن هناك ما يكفي في العالم من اللغات، ضاقت لغتنا، ومازالت الكلمات في العالم تتسع فهناك ما يكفي من الكلمات لكل الأشياء لتكوَّن بنايات من جمل كما كنا نفعل صغارًا...
الشيماء آل فائع
جمييلة ❤❤