في كل مرة أقترف فيها خطأً أو أقول شيئاً غير صحيح أجد هناك شخصاً يقف في زاوية نظري يشير لي بأن قولي سيء، شكله معاكس لشكلي تماماً فأنا فتاة وهو رجل، أنا طويلة وهو قصير، لديّ عيونٌ بنية وهو لديه عينان زرقاوان، معاكس لي تماماً، غالبا ما يظهر عندما أبدأ بالكلام فإما يهز برأسه موافقُ لما أقوله، أو أنه يزمجر في وجهي لينهرني عما سأفعله.
بدأت أراه وأنا في العاشرة من عمري، عندما كنت أفكر بأن أستهزئ بفتاة معي بالصف، فظهر لي بشكله المعاكس، وكان من عمري تقريباً وبدأ بلومي على مرور الفكرة في ذهني حتى، وعندما نُهيت عن تنمري هذا اختفى من أمامي، وكأنه قد قام بعمله وهرب، ظهر لي مرة أخرى عندما كنت سأصرخ في وجه والدتي لأنها نسيت أن تضع لي عصيري المفضل للمدرسة، فكان لي بالمرصاد ومنعني عن التحدث، وعندما سألت والدتي إن كانت ترى الفتى الذي معنا استغربت كلامي وأمرتني بالذهاب عن وجهها فهي مشغولة عن ترهات الأطفال.
حاولت عدة مرات أن أتحدث معه وأن أستفسر عن وجوده، ولكنه كان يختفي عن ناظري في كل مرة أفتح فمي للحديث، وتعلمت بأن لا أسأله من هو ولا من أين أتى، بقي يظهر لي في كل المواقف التي تستنزف مني طاقتي، وكل الأماكن التي قد تثير غضبي، فساعة يهدئ من روعي وساعة يغضب مني، اعتدت على وجوده، حتى أصبحت أعتمد عليه لاختيار التصرف الأنسب، فعندما كبرت شعرت بأنه يوجهني إلى كل الخيارات الصحيحة، عندما رأيت مديح معلميّ على حسن سلوكي، وفرحة عائلتي على رزانتي.
سنةً تلي الأخرى بقيت أراه أقل فأقل، حاولت أن أستفسر عن سبب اختفاءه في بعض الأحيان، ولكنه رمقني بنظرة حزينة وأدار ظهره لي واختفى!
ذكرت ضاحكةً في مرة من المرات أمام إحدى الصديقات وجوده، فنظرت لي بنظرة مريبة، وسألتني إن كنت أرى الأشباح؟ وبدأت بالشك بسلامة عقلي، ومع تناقص ظهوره أصبحت أقنع نفسي بأنني كنت أهلوس وجوده فلا يوجد شخصٌ عاقل يرى شخصاً لا يراه أحد، وأحاول تناسي شكله من ذاكرتي، ولكن في الحقيقة في أعماقي لا زلت أؤمن به وبوجوده، وأشعر بنظراته من حولي!
مرت الأعوام وقد ظننت أنه أصبح في طي النسيان، ولكن ها أنا الآن على فراش الموت وآخر ذكراي هي ظهوره أمامي وهو عجوز مثلي، ينظر إليّ بابتسامة حنونة، ويمد يده ليصحبني معه، وهو يقول لي أخيراً بأنه سيخبرني عن هويته.
مروة مغمومة

Comments