"افتحي النافذة يا ابنتي، لعل أشعة الشمس تدخل غرفتك فتطهرها و يتجدد هواءها الذي يجلب التعاسة"، هذا ما تحب أمي قوله في كل مره ترى نوافذ غرفتي مغلقة، لعدة سنوات قصيرة كرهت ضوء الشمس، لم أكن أسمح لأشعة الشمس بدخول غرفتي وأنا موجودة، لا أعرف هل كنت أخال نفسي بكتيريا سيتم تعقيميها أو ذرة من غاز ستخرج من النافذة لتأخذ مكانها أخرى، لا أعلم على وجه التحديد لما كنت أكره نافذتي وما تجلبه وأسارع الى إغلاقها فور ما أراها مفتوحة، لكن في الفترة الحالية تصالحت مع ضوء الشمس أولًا كيف لا أصالحه وهو ما يعطي نباتاتي الطاقة للحياة، وأيضًا تصالحت مع نافذتي، لم أعد أريدها حاجزًا يحجز ضوء الشمس عن الدخول، ولقد حدث هذا بسبب دراستي للنبات، فلقد درست التخصص في المقام الأول لأنه جزء من الأحياء، والأحياء بإمكانها تدريسي الوراثة، حيث البرمجة الإحيائية للمخلوقات الحية، لكن من الآثار الجانبية لهذا التخصص، أنني صرت أزرع زهرة في كل زاوية، صرت أشعر بالرضا حين أرى اشعة الشمس تمتد وتصل لكل شتلة، فتهبها الحياة بإذن الله، لكن ماذا لو كان بإمكاننا اختيار إطلالة نوافذنا، فلربما كان سبب كرهي لفتح النافذة هي أنها تطل على الجيران، فلا أحب أن أشعر أني في منزلٍ ليس لي، لذا كان الغرض فقط السماح لضوء الشمس بالدخول، ماذا لو فتحت نافذتي فرأيت أمامي مرجًا أخضر على مد البصر، وأغلقتها ثم فتحتها ثانية لأسمع موج البحر يضرب الصخور بقوة، وأشعر بنسيم البحر، أو ماذا لو أغلقتها ثم فتحتها فإذا بثلوج سيبيريا تمتد أمامي وأشعر بالبرد، عندما كنت صغيرة كان هناك مسلسل رسومٍ متحركة، يتكلم عن طفلان يسافران عبر نافذة مخفية في المنزل، وفي كل مرة يفتحانها يجدانها تطل على مكانٍ آخر ومغامرة أخرى، كانت فكرة مدهشة، لمن الممتع الذهاب لكل الأماكن عبر النافذة بسهولة، وعلى غرار تلك الفكرة ماذا لو استطعنا عمل نافذة ذات إطلالة مختلفة في كل مرة، وحتى لا تكون الإطلالة ناقصة تعتمد على الصورة وحسب، سيكون رائعًا أن تمتلك النافذة القدرة على أن تجعلك تشعر أنك في نفس المكان فتكون فيديو بصوت وصورة، ومكيف هواء يضبط نفسه على درجة الحرارة المناسبة ومدى رطوبة الهواء، وجهازًا ينفث عبقًا من رائحة المكان الذي رغبته، فلو طلبت أن تكون إطلالتك على البحر، سيطلب منك تربة رملية وأعشاب بحر وربما شيئًا من الملح، فتشم رائحة البحر وتشعر بنسيمه الدافئ، وتسمع أصوات أمواج البحر، لعل هذا يعطي التركيب تجربة كاملة، سيكون في غاية المتعة، ولا أظن أن أحدا بعدها سيكره نافذته كما فعلت سابقًا أبدًا.
جمانة الفراج
Comments