top of page
شعار مداد.png

نجديات

على عادتي في نهاية الأسبوع بعد الانتهاء من أعمالي المهمة وبعد قرابة الواحدة فجرًا، أسرق من زماني ساعات أختلي بها مع مدينتي المحبوبة.


من الأعلى أنظر إلى الرياض وقصصها التي لا تنتهي وشعبها الذي لا ينام، وأشعر بأصالتها تتجلى أمامي وأراها تتباهى بنخيلها وصحرائها العنيدة شديدة الجمال، أنظر إلى تناقضاتها العديدة بذهول، صحراء على ذلك الطرف وناطحات سحاب تتحدى بعلوّها شمسها الرقيقة على الطرف الآخر، وأنظر إلى نفسي وكيف كونتني هذه المدينة وساهمت في انتشالي دومأ.


لم أذهب هذه المرة خالي الوفاض،كان معي علبة سجائر وجدتها في صندوق اشتريته من مزاد في "سوق الزل" كان من المفترض أن يحوي أثريات لا علب سجائر غريبة، على أي حال أخذت قبل خروجي علبة طبع عليها "الألفيّات النجدية"، ولفضولي المعتاد أردت تجربتها على أمل ألا أختنق، وصلت لمكاني المعتاد فوق هضبة ألفتها وآمل أنها ألفتني كذلك، أو اعتادت وجودي على الأقل لتحكي لمن يأتون بعدي عما كتبت هنا، كما كانت تقص لي عن بطولات من اعتادوا المجيء قبلي، نصبت مقعدي ورفعت صوت المذياع ليؤنسني في وحدتي، صوت فناني المفضل وهو يغنّي "بعاهدك إني أقول إنك قتلتيني، واكتب على صدر السما أصدق قصيدة حزن".


كنت أتردد بالنظر إلى علبة السجائر المُلقاة أمامي، ولم أستطع أن أكمل الكتابة وعزمت على أن أجرب واحدة لا ضير منها!


أخذت سيجارة عشوائية وأشعلتها وإذا بطرفها يشتعل نهضة وأمل، اختفت فجأة من أمامي أكثر من ربع الرياض، نظرت لأقصى اليمين ولم أجد صديقاتي ناطحات السحاب وأرتعبت بكل كياني، نظرت إلى يساري واطمأن قلبي بمنظر قصر المصمك المهيب، نظرت إلى وسط الرياض فوجدت ما أرعبني حقًا كان صديقي بلا شك ولكنه يبدو مختلفاً تماماً! كان برج المملكة إلا أنه لم يكن مكتملاً كان خجولاً تغطي الستائر قمته التي اعتدتها شامخة لا تخجل، كانت السيجارة لا تزال متعلقة بطرف إصبعي فنظرت إليها ورأيت ما كان مطبوعاً بخط أحمر على عقبها "الرياض 2001" أكملت السيجارة وأنا أنظر بلا استيعاب إلى كل ما يحدث حتى أحرقت رئتاي باستنشاق قطنة السيجارة معلناً انتهائها.

لم أطق الصبر وتناولت سيجارة أخرى من العلبة وأشعلتها مرة أخرى وكانت تنطفئ فوراً أعدت المحاولة مراراً حتى نجحت في إشعالها واستنشقت في أعماقي لهيب المجد، عادت الرياض كما أعهدها إلى حد ما.


إلا أن المنظر لم يكن معتاداً ألبتة، نظرت إلى ساحات الديرة ولم تكن مكتظةً كعادتها بالباعة ومرتادي السوق، نظرت إلى شوارعها وكانت فارغة تماماً لا تملؤها مئات السيارات ولم يخرج صفوفًا من البشر من مقاهيها الشهيرة، إلا أني رأيت على طريق المطار صفًا لا ينتهي من السيارات التي تتجه نحو مركز لم أتعرف عليها في بادئ الأمر، حتى نظرت إلى شعار المركز وقرأت "مركز فحص كو..." رميت بالسيجارة دون أن أكمل القراءة عرفت فوراً أي سنة تلك حتى أني دعست بكل ما وهبني الرحمن من قوة عليها حتى أتأكد انها انطفأت تمامًا، عدت إلى مقعدي ونظرت بحقد الى عقب السيجارة المسطح أمامي فمن ذا الذي يريد العودة إلى تلك السنة بكامل قواه العقلية.


جمعت أغراضي هامًا بالمغادرة نظرت إلى علبة السجائر ووضعتها في المقعد الخلفي، أما عن رائحتي فلم تكن رائحة المدخن المعتادة ركبت سيارتي برائحة شديدة الغرابة ومألوفة جداً في الوقت ذاته، كأن تدخل منزل جدك وتشتم رائحة مألوفة ليست عطراً ولا عوداً بل رائحة تسكن أعماقك يستحيل أن تكون عطراً، كذلك رائحتي بعد التدخين كانت رائحة الرياض المعتادة لا أستطيع كشف مكنوناتها ولكنها تسكن أعماقي بلا شك.


سعود الداود



٦٤ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل
مشاعر

مشاعر

Commentaires


تم الأشتراك في القائمة البريدية

  • Twitter

جميع الحقوق محفوظة لمبادرة "مِدَاد" 2020

bottom of page