top of page
شعار مداد.png

هل أنت نتاج لأفكارك؟

الصمت هو ما أعيشه، أو ما يخيل لنفسي أني أعيشه، هادئ، مسالم، تابع إن صح القول.. اعتاد والداي التفاخر بي لكوني طفلٌ مطيع لا يرفض لهم طلبًا، ولا تسول له نفسه سؤال "لماذا علي فعل ذلك؟" استيقظ يا بني، فاستيقظ، لا تأكل بالشمال يا بني، فلا آكل بالشمال. دون لماذا؟ لم أكن أهتم، فذلك يوفر لي محبة والديّ ومديح معلمتي لي أمامهم، فهي لم تدرّس أحدًا مطيعا مثلي على حد قولها.. يرتفع صدر والدي فخرًا، وأمي تعلو على محياها ابتسامة الرضا، فأستمر أنا بذلك الأسلوب، أسلوب المطيع أو التابع.

ذهبت يومًا مع أمي وصديقاتها للسوق، رأيت لعبة جميلة رغبت بها فأمسكتها، وقلت لأمي أريد أن أشتريها، فرفضت، أرجعتها لمكانها بكل هدوء.. بهرت صديقاتها، بل تعجبن، لماذا لم أبكي أو أصرخ بأعلى صوت قائلًا: "أريد هذه اللعبة!!" ولم يكن وحدهن من لاحظن ذلك، أمي أيضًا ونتيجة لذلك لم تشتري لي سوى لعبتين بطفولتي لأني لا أبكي عند رفضها، لاعتقادها بأني لا أرغب بالألعاب حقًا أو إن صح القول لأنها تريدني ألا أرغب فلا أرغب. عشت طفولة صمت ولم تختلف بقية حياتي عنها..


دخلت القسم العلمي لأن أبي يرغب بأن أدخله، رغم أنني كنت أحب الأدب قليلًا، أو ربما تلك المحبة والرغبة دافعها أمي لا أنا، فهي تحب الأدب ومن الممكن أن يكون خيّل لي بأنني أحبه أيضًا.. لم ترغمني هي على دخول الأدبي ولكن أبي أرغمني قليلًا، فشعرت بأنني أرغب بالعلمي لأن والدي يرغب به.. عند سؤالي عن هوايتي كنت أعيد تكرار هوايات أمي وأبي وأخوتي، في كل مرة أُسأل أتخذ جوابًا جديدًا، فتارة أهوى التطريز كأمي، وتاره الصيد كوالدي، وتارة الرسم كأخي.. وتراودني نفسي للسؤال أحيانًا، فأسأل نفسي ما هوايتي؟ فأتوقف عن كل شيء وأفكر لأجزاء من الثانية ما هوايتي حقًا؟ فلا تكتمل الثانية حتى أقول موبخًا نفسي "اترك عنك مضيعة الوقت فما الفائدة من سؤالك لنفسك؟" فما أفعل شيئًا من تلقاء نفسي حتى أظنه مضيعةٌ للوقت.

تخرجت من الثانوية العامة وقبلت بجامعة خارج مدينتي، استمريت بفعل ما يطلب مني من قبل الدكاترة وحتى الطلبة، أخرج من جامعتي فأذهب للعمل -بالمناسبة أعمل عند صديق لوالدي- أخبرني والدي بأن علي أن أعمل لكي أكون رجلًا مسؤولًا عن نفسه، تساءلت للمرة الأولى هل عملي كبائع سيجعلني حقًا ذلك الرجل؟ ولكن لم أعر ذلك التساؤل جل اهتمامي فتجاوزته بسرعة.. وفجأة دون سابق إنذار فصلت من العمل! ولم يعد بإمكاني الذهاب للجامعة! اللعنة، إنه الفيروس اللعين قد وصل هنا، كل شيء برمشة عين اختلف، جائحة كورونا قد قلبت حياتي رأسًا على عقب لم أعرف ماذا علي أن أفعل، اتصلت بوالدي على الفور متسائلًا عما علي فعله فقال ما قالته الصحف والأخبار لا شيء جديد... اختل توازن حياتي، لا وجود لشخص يخبرني ما علي فعله، فأصبحت أنا ذلك الشخص لأول مرة بحياتي.. تسرب التفكير لعقلي لم أستطع الهرب منه هذه المرة ماذا عساي أن أفعل؟ أربعة أشهر واجهت بها عقلي، شعرت بأنني التهم نفسي، عفوًا أقصد عقلي يلتهمني عبر سؤالٍ واحد "هل أنت نتاج لأفكارك أم مجرد انعكاس لأفكار الآخرين؟" أدركت حينها بأنني عشت طوال حياتي كمرآة لغيري.

رهف

 
 

Comments


تم الأشتراك في القائمة البريدية

  • Twitter

جميع الحقوق محفوظة لمبادرة "مِدَاد" 2020

bottom of page