لعلي اليوم في مكان لا أعرف كيف أخرج منه ولا كيف أثبت نفسي، وجِدتُ فجأة في بيتٍ أصحابه لا يرونني ولا يسمعونني، الأب في المكتبة وحيداً ومهموماً، جئت إليه مواسياً ظناً مني أنه يراني، وفي منتصف المواساة قام من مكانه وذهب دون أن يعلم أنني هنا وأتكلم، ذهبت إلى غرفة الجلوس وإذ بالأم ساهيةً تفكر، اتضح لي أنها لا تعرف كيف تدير الأمر، الآن.. بعدما فقد رب البيت وظيفته، جلست بهدوء -كأن إزعاجي سيحدث فارقاً- مدت يدها، فمددت يدي فرحاً بأنها قد رأتني أخيراً، وإذ بها تأخذ كأس الماء من على الطاولة.
نزل الابن لا مبالياً ولا مكترثاً بما يحدث، وجد أمه فرجع من حيث أتى، لحقته فلم أجد بغرفته إلا كم الإهمال الهائل، في نفسه ومكانه، ولا أعلم إلى الآن كيف وصل إلى هذه الحالة التي قد أراها أنا وحدي، استلقى على سريره، ثم دون سابق إنذار بكى بكاء مخيفاً ولكن دون صوت، وأنا الذي ظننت انه لا يكترث!
وأحسب أن هم الأسرة وظيفة الأب، وظهر أن خلف هذه العائلة؛ ألم فقدان الابنة، والتي كانت لأخيها بمثابة الضمادة للجروح التي أنتجتها الحياة. ولكن أين؟ وهذه الرفيقة في عداد الموتى الآن!
نزلت فتحت باب المنزل الذي وصلني أنينه، وذهبت، ولكني ذهبت حزيناً ومستاءً، لم أعرف كيف أواسي لأني لا أسمع، ولا كيف أطبطب على هذه الأيدي لأني لا أُرى، ولا حتى قادراً على العطاء لأن ما من عطاء يرجى من شخص لا يرى.
عذرهم أنهم لا يرونني، ولكن كيف بمن انتهى به الحال هامشاً، موجوداً ويُرى، ولكن لم يحدث فارقاً ولو كان هذا الفارق طفيفا!
طفله عبدالله
Comments