لقد مر خمسة وعشرون يوماً منذ آخر مرة ودعتك بها، ما زلت أذكر برودة أطرافك في كل مرة يدي تمسك شيئاً ساخناً، يأبى جسدي أن يتناول الطعام لفقدانك، وعندما أجبر نفسي عليه يتحول الطعام إلى التراب في فمي، وكأن جسدي يعتصم؛ رافضاً القرار الذي اتخذته بتركك.
لم أتخيل في يوم من الأيام أن الطعام الذي كان يعتبر الأول في حياتي، وهو المكمل الجميع طعامي سيكون السبب في مرضي، فقد علمت بعد رحلة مؤلمة إلى الطبيب أنني أعاني من حساسية الألبان، وقد كان وقع الخبر على أذناي كالصاعقة، كيف أعاني من الحساسية من شيء يجلب لي هذا الكم من التلذذ، كيف للشيء الذي كان أول نكهة أذكرها في هذه الحياة أن يتركني في منتصف عمري، هل هذا يعني أن عمري قارب على الانتهاء؟!
مررت في جميع مراحل الحزن، ففي البداية كنت مُنكِرة لكلام الطبيب وبقيت أتناوله وكأن شيئا لم يكن وسط توبيخ العائلة، ثم مررت بمرحلة العصبية، عصبية على الطبيب ثم على عائلتي الذين أصبحوا يرفضون إحضاره إلى منزلنا ثم عصبية على نفسي لأنه كيف يمكن لجسدي أن يخونني بهذه الطريقة، الشيء الوحيد الذي اتفقنا على حبه إلى الأبد.
ثم مررت بمرحلة المفاوضة، فقد كنت أناقش أهلي أنني أستطيع أن أخلط اللبن مع الماء وأخفف من كمية تناولي له، أو يمكنني أن أشربه مرة في الأسبوع وأتحمل عواقبه، ولكن كل هذه الخطط باءت بالفشل، ولم أستطع أن أقنع عائلتي بها.
والمرحلة التي سبقت هذه هي مرحلة الاكتئاب فقد امتنعت عن الطعام لفترة من الزمن، وبقيت أعيش على الطعام الذي أعلم أنني لا أحتاج أن أشرب اللبن معه، ومضيت على هذه الحال لفترة، ولكنني الآن أشعر بأنني قد انتقلت إلى المرحلة الأخيرة وهي التقبل، ففي حياتنا هناك الكثير من الأشياء تتركنا في منتصف الطريق لأنها قدمت كل ما تستطيع لنا، والآن هي تعطينا فرصة أن ننظر إلى الجهة الأخرى ونبحث عمن هو أفضل منها، ويمكنه أن يبقى معك في باقي رحلتك.
مروة مغمومة
Comments