top of page
شعار مداد.png

وسط الجموع


نظرتُ إليها مستغربةً، الجموع المنتظرة والأعداد المهولة التي تتساءل حولها .. وقفتُ معهم من باب التجربة والمغامرة، أو لأكون صريحةً معكم فضولي سبقني لأرى ماوراء الأبواب..

ظللتُ أحدّث نفسي وألومها طوال فترة الانتظار .. تتبعين القطيع وأنتِ من كنتِ تقولين أنك متفردة! تضيّعين وقتك لشيء لاتعرفينه ماهيّته ! أقدّم قدمًا لترجع الأخرى مترددة .. لا أنكر أنني في آخر لحظة التفتُّ لأغادر، إلا أنني أعدت رأسي لمكانه لحظة رؤيتي عدد الواقفين خلفي.. علمتُ أن دوري قد اقترب، فلم أرغب للانتظار أن يذهب سدى، فتقدمتُ متجاهلةً قراري وصدى الملامِ الذي يرسلهُ عقلي ..

اقتربتُ من الباب وحماسي يغمرني لأعرف ما وراءه! ما الشيء الذي يستحق كل هذا الانتظار ..

خرجت سابقتي بالدور، فسبقني فضولي ليسألها عن الموجود في الداخل ؟

قاطعت سؤاله صارخة ومعالم التذمّر والغضب تملأها:

- آه ليتني لم أسمع كلام سارة ضيّعتُ وقتي للا شيء !! وإن كنتِ تسألين ما الموجود فالموجود لا شيء، أو بالأحرى شيءٌ لا يراه إلا الحالمون كسارة.

ذهبت تاركة وراءها الهمهمات التي تتزايد، وفجأةً كان الحشد قد اختفى! وكأن كلامها كان بمثابة جهاز إنذار فضّ الجمع بلحظة..

علمتُ حينها أن عليّ الذهاب، وعادت نفسي موبخة إياي بـ"ألم أقل لك!" وما إن تحرّكتُ حتى استوقفني صوتها ..

- لكنكِ لم تري مابداخل الغرفة

أجابها وجهي المتعجب بل وبادرت تعابيرهُ بسؤالها..

- آه لم أعرفك بنفسي، أنا سارة .. نعم، ذاتها التي تحدثتم عنها للتوّ، والآن دعكِ مني وأخبريني ألا تريدين أن تري ما بداخلها؟

- اممم أردتُ حقًا دخولها، لكنّ حديث الفتاة زاد من ترددي، وقطع كلّ بادرة حماس وفضول،

التفتُّ لأغادر، إلا أن يد سارة المُسندة على طرف الباب حرّكتهُ ليُفتح على مصراعيه ..

الشيء الذي وقفتُ لانتظار معرفة ماهيّته وقتًا طويلًا هو مشرّعٌ أمامي ..

بياض الغرفة هدم كل خيالاتي وتصوّراتي للشيء الموجود في الداخل ! سقفٌ أبيضٌ وجدران بيضاء ولا شيء غير ذلك!

أحقًّا هذا ما وقفتُ لأجله وترقّبت !! لقد صدقت عندما حذَّرتني لايوجد إلا اللا شيء ..

- هل استوقفتني حقًّا لأنظر هنا وحسب ؟! ألا توجدُ غرفةٌ مخفية أو سراديب سرية أو كاميرا خفية في مكانٍ ما؟

قلتُها بصوتٍ مملوءٍ بالصدمة والاستهزاء .

ثم أردفتُ وصوت الغضب يتصاعدُ تدريجيًّا

- ليتني لم أتبع فضولي ولم أقف منذ البداية ليتني صدّقت كلامها عنك..

قاطعتني سارة فرفعتُ رأسي لها مشاهدةً ابتسامة السخرية المرتسمة على ثغرها..

- ظننتُ أنكِ ستكونين مختلفة وتدركين السرّ .. ولكن لا بأس فلستِ أول من يقول هذا الكلام فلقد سئمتُ التكرار منتظرةً التصديق، ابقي أو غادري الخيار لك ولا شأن لي بقراراتكم .

خرجت سارة تاركةً نفسي الموبّخة تُكمل عملها ولومها الذي تزداد حدّته مع كلّ ثانيةٍ تمرّ وكأن لوْمها يلاحق العقارب ويسابقها ثم يغشاني .. أظلمت الغرفة قليلًا وشيئًا فشيئًا بدأ السواد يعمّ الجدران مقتربًا إلى زاويتي، نهضتُ مسرعةً لأخرج إلا أن السواد كان أسرع مني وسبقني بالخروج وكأنه ينتظرني ليُكمل سيرهُ سابقًا لي ومُمهدًا لي طريق الظلام!

تحرّكت يمنةً ويسرةً وكأنّي أود تكذيب ما يجري، إلا أن السواد كان محتومًا وسابقًا لي في كلّ خطوة.

أدركتُ حينها سرّ هذه الغرفة..

حيث يأسرك شعور اللحظة ويبقى ملازمًا لك وكأن جدرانها تقول "أنا لوحة بيدك، لوّن جدراني بما شئت" وكان ما شئتُ أنا، أن أبقى حبيسة ظلام التردد وسواد اللوم للأبد .

رند العامر

 
 

Yorumlar


تم الأشتراك في القائمة البريدية

  • Twitter

جميع الحقوق محفوظة لمبادرة "مِدَاد" 2020

bottom of page