يحدِّقُ وسيمُ كلَّ ليلةٍ إلى النّجوم، يؤلِّفُ قصصًا خُرافيّةً بعيدةً كلَّ البُعدِ عن واقعِهِ الذي يعيشُ فيه، إنَّه يعشقُ تأليفَ القِصصِ ويتحلّى بروحِ الفُكاهةِ والمزاح، لديه أسلوبٌ جميلٌ في روايتِه للقصصِ والمواقفِ بشكلٍ عام.
يحبُّ في الصَّباحِ الباكِر أن يمشي في حارتِه يسلِّمُ على الجار والمارّةِ، يداعبُ الأطفالَ كثيرًا بحبّ، فكانوا يبادلونه شعورَ المحبِّة مع أنّه يكذبُ عليهم دائمًا بقصصِه الخياليّة وجميع أقوالِه التي ليست صحيحة، كانَ يرسلهم إلى جارِه أحمد أو إلى بيت أخيه بسّام بقولِه أنَّه ينتظركم ومعه ألعابُا اشتراها لكم، وفي كلِّ مرةٍ يذهبون ويزعجونهم بطرقِ الباب فيعودون إلى وسيم محبطين غاضبينَ منه، وأمَّا الحلّاق أبو سالم فقد يقولُ عنه بأنّهُ سقطَ البارحة من سلَّمِه وقد ظهرت على رأسِه دائرةً كبيرةً زرقاء، فيذهبون إليه مسرعين وإذ بأبي سالم يبرق رأسُه بياضًا لا شيء فيه.
وسيم لا يحبّ الكذبَ على الكبار؛ لأنّهم لا يصدِّقونه ولا يبدون ردَّات فعلٍ تبهجه وتضحكه لكنه مرّة مرَّ بدكان (زيتونة) ورأى صاحبَه المعلّم حمّود حزينًا جدًّا، ينظرُ إلى الأرضِ ليس منتبهًا لزبائنِه أبدًا، فعطفَ عليه وقال:
يا أهلًا بصاحبِ الدّكان الأصيل، لِمَ أنتَ هُنا أمَا سمعتَ الصَّبي خالد يُنادِي الكلّ للذهابِ إلى بيتِ الأميرِ؟ إنَّه يوزعُ المالَ وغيرَه من المغرياتِ للفقراء.
فقامَ حمّود يركضُ مُسرِعًا نحو بيتِ الأمير، ولم يُغلق الدّكان من عجلتِهِ، فانبهر وسيم بسرعتِه الهائلة إلى أن صدّق كذبته من ركضِه الفائق فركض بسرعةِ البرق خلفه ليسبقَه في الوصول.
جواهر الرشيد
Comments