عشت طوال حياتي مهمشًا، فقيرًا، بل معدمًا! معدمًا من كل شيء إلا حنان الأب، فتحتَ كل هذا السواد. كان أبي هو من ينير لي الطريق، ويحيل الأيام العصيبة إلى مسرات! بحنانه الدائم وحرصه على العناية بي على أكمل وجهٍ وحال، فيخرج كل صباحٍ بنفس الوقت للحصول على لقمةٍ العيش، ويعود كل يومٍ ببعض الفتات لبدني وبقصةٍ جديدة ينير بها عقلي، حتى ذلك الصباح.. ذلك الصباح المشؤوم!
خرج والدي -كعادته- إلى العمل، ولكنه في ذلك اليوم لم يعد! "لا بأس" قلت بداخلي، فربما زاد عمله أو انشغل بشيءٍ ما، كان قلبي يشتعل من الداخل! فلم يتأخر والدي يومًا.. ما الذي حدث؟
كنت كالجالس على جمر، مرت الساعات عليّ كالأيام الطوال! ما الذي حدث لوالدي؟
صبرت حتى طل الصباح، ولم أجد لوالدي أثر..
الأفكار تتلقفني في كل اتجاه! ماذا أفعل؟ أأخالف وصية والدي الوحيدة وأخرج؟ أم أنتظر هنا حتى يصيبني الجنون! بعد أيام طوال وعراكٍ شديد مع النفس، قررت الخروج؛ فلن أستطيع إفادة والدي بكوني ميتًا! يجب أن أخرج للحصول على لقمةٍ عيشي، ولكن يجب أن أكون فطينًا! شديد الحذر، فأنا لم أخرج في حياتي يومًا! ولا أعرف ماذا ينتظرني في هذا العالم الغريب، لم أعرف سوى حكايات والدي وسأتلمسُ بها الطريق.
تسلقت على مضض، سأخرج أخيرًا من هذا المكان! مشاعرٌ كثيرة تتملكني، يسودها القلق، قلقٌ على أبي، قلقٌ على لقمة عيشي، قلقٌ مما سأقابله في هذا العالم..
خرجت وكلي ريبة، شعاع قويٌ تركز على عيناي وأضعّفَ رؤيتي، "يا ويلي أظنه أحد الأسلحة الخطيرة التي حذرني منها أبي!" ركضت سريعًا مغمضًا عيناي، اصطدمت بقوة! فتحت عيناي متألمًا، ما هذا الكائن الأخضر الغريب؟! أظنه خطير ومريب! ابتعدت قليلًا، سبُيت بالجمال! أوراق صفراء مع ساقٍ خضراء مكونةً منظرًا آسرًا! يبدو كشيءٍ شاهدته في قصص أبي، أظنه يمسي زهرًا؟
وعيت على نفسي فجأةً! ما الذي أفعله؟ يجب ألا أنسى أنني في أرض العدو! وأن كل لحظةٍ هنا قد تعني الهلاك، مشيت طويلًا ومررت بالكثير من الأشياء الغريبة، مدببةٍ ومستديرة! عالمٌ مخيف، تملكتني الوحشة، استوقفني مربع ضخم معلقٌ بالسماء! كتب عليه بالحروف العريضة "سجل الآن لتقضي على كورونا للأبد" ارتجفت رعبًا! ماذا يعني ذلك؟؟؟ كورونا؟ هذا اسم أبي!
ريما عبدالرحمن
