في منتصفِ الشهرِ، بعيدًا عن المدينةِ، أسدلَ الليلُ ستارَه، وأطلَّ البدرُ من فوقِ كثيبِ رملٍ أحمر، نسيمُ هواءٍ بارد، وتلكَ النجومُ تُرَّصِعُ السماءَ، وكأنَّ عَمَلَهَا أن تكونَ حليةً للفراغِ الأسود، ويكونَ القمرُ أجمَلَها، فمهما هي تَجَمَّلَتْ، لا نُوْرُهَا مثلَ نُورِ البدر، ولا جَمَالُها كجمالِه.
ومِن ثُمَّ التمامُ العائلةِ حولَ النارِ التي تسمعُ طقطقةَ لَهِيْبِهَا، عبيرُ فورانِ القهوةِ، وتبادلُ أطرافِ حديثٍ شاعري، كشاعريةِ الجو، جزرٌ من نباتِ الحرمل أمامك، تجعلكَ تشعرُ وكأنكَ في المحيط، فضاءٌ واسعٌ، يبدو وكأن البدرَ يعطيكَ صلاحيةَ امتلاكِ كلِ شيءٍ يقعُ نورُه عليه، هو أَحَنُّ الجميعِ عليك، فإنْ نامَ الكلُ، ولمْ تعدْ تسمعُ سوى صوتِ الصمتِ والهدوء، بقيَ معكَ وآنسَكَ حتى تنام، ثمَّ في ساعةِ الفجر، حيث لا تستنشقُ هواءً أنقى منه في بقيةِ يومك.
تَطْلُعُ الشمسُ وتُشْرِقُ دقائقَ معدودة، ثم تنتشرُ أشعةُ الشمسِ في ماراثونٍ مهيب، فتنقلبُ كلُّ عَتَمَةٍ على الأرضِ إلى ضياء، الرملُ الأحمرُ يبدو ذهبيًا وكأنكَ في بحرٍ من الذهب، آثارُ الخطى المتلاشيةِ بفعلِ الرياح، والغيومُ التي تحجبُ الشمسَ في طريقها، لكنَّ أشعةَّ الشمسِ أكثرُ وأنفذُ من أن تَحْجُبَها غيمة، فتُسَانِدُها بقيةَ الغيوم، تُحْجَبُ أشعةُ الشمسِ فتمطرُ السماء، قطرةً قطرتان، ثم ينهمرُ جميعُه على الأرض.
الأرضُ عَطْشَى، حتى لا يكادُ يبقى على سطحِها إلا بِرَكٌ صغيرةٌ يستمتعُ الأطفالُ بها، وسرعانَ ما تتبخر، نهايةُ المساء، أشعةُ الشمسِ تَطَالُ كُلَّ شيءٍ، وكَأَنَهَا تُحَاوِلُ التكفيرَ عن أيِ خطأٍ اقتَرَفَتْهُ خِلَالَ النهارِ فتعوضُ قصُورَ وصولِ أَشِعَّتَها في آخرِه، مشاهدٌ متتاليةٌ من لوحةٍ جمالِية، تَسْتَحِقُ أنْ يكونَ عُنْوَانُها نعيمُ الصَحْرَاء.
جمانه الفراج
للاستماع 🎧
Commentaires